تناولت في كتابي «سلوكيات يرفضها الإسلام» قضية المخدرات وفق المنظور الشرعي، وبمشاركة نخبة من أصحاب الفضيلة المشايخ العلماء والقضاة والدعاة وطلبة العلم، وكنت في عام 1424ه، أصدرت كتاباً بعنوان :»وباء المخدرات وخطره على صحة المجتمع»، وقدم له معالي الدكتور حمد بن عبدالله المانع - وزير الصحة السابق، وكان يرتكز على الآثار الصحية على المجتمع والفرد، وقبل هذا وعلى ما يزيد على اثنين وثلاثين عاماً في الصحافة، والمساهمة فيها، كنت - ولله الحمد - مدركاً لخطورة وضرر المخدرات، فلم يخل عام من عمل صحفي، وكتابة صحفية عن هذا الداء، إيماناً بالواجب والمسؤولية، وتصدياً لهذه المشكلة التي غزت العالم بأسره، وأضحت واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه المجتمعات، واستنزافها لثروات الأمم اقتصادياً وبشرياً. ومنذ أيام تيسر لي زيارة صرح عظيم من صروح الوطن، وقلعة من قلاع الأمن، وقد انتابتني مشاعر مختلطة من الفخر والاعتزاز مع الحزن والأسى، وقبل الحديث عن هذه المشاعر المتباينة، أشير إلى أن الزيارة - وفي مهمة عمل رسمية -كانت للمديرية العامة لمكافحة المخدرات، بصحبة الزميلين الدكتور توفيق السديري، والشيخ عبدالمحسن آل الشيخ، ولقاء مديرها العام اللواء عثمان المحرج، مع مجموعة من رجالات المديرية. لقد كانت بواعث الأسى والحزن تكمن في الإحصائيات التي قدمها المسؤولون في مكافحة المخدرات عن الكميات المضبوطة بأنواعها وأشكالها المختلفة التي استهدفت شباب بلادنا بقصد إفساد عقولهم، وبالتالي إفساد دينهم ودنياهم، ولنعرف حجم هذه الحرب الضروس على بلادنا، وعمادها وهم الشباب، إن المكافحة وحدها - على سبيل المثال - ضبطت في عام واحد 141 مليون حبة مخدرة، وعشرات الآلاف من الأطنان من الهيروين والحشيش المخدر. وأما المبهج والباعث على الفخر والاعتزاز، هو الجهد الذي رأيته في مكافحة هذا الداء بقيادة رجل الأمن المخلص نايف بن عبدالعزيز، ورجاله الأوفياء الذين تعاقبوا في العمل على إدارة مكافحة المخدرات وحتى الآن، فجهوده الطيبة في التصدي والمكافحة لم تقف عند حدود الوطن، بل تعدى ذلك - بتوفيق الله - إلى متابعة المروجين في بلدانهم، واكتشاف مصانع في الخارج مخصصة لتوريد المخدرات للمملكة، ومن ذلك أحد مصانع الحبوب المخدرة الكبتاجون في إحدى الدول، حيث تم بالتعاون مع الدولة الصديقة والشقيقة تتبع المصدر حتى اكتشاف المصنع، الذي كان قائماً تحت غطاء تجاري آخر، وضبط كمية كبيرة من المواد المخدرة بلغ وزنها أكثر من ثلاثين طناً تكفي لصناعة (200) مليون حبة كبتاجون، تقدر قيمتها بعشرات الملايين، والمعدة لتهريبها للمملكة. ولن أتحدث عن المبنى الجميل للمديرية العامة، وعلى التنظيم الدقيق في عمل المديرية، ففي هذه الأعمال العبرة بالنتائج، ولكن الدقة والتنظيم هي - بإذن الله - مؤشرات ومقدمات للنجاح، وهذا ما تحقق حيث إن العمل يدار وفق آلية في جميع مناطق المملكة، وفي 13 إدارة بمناطق المملكة، واثنتين وتسعين شعبة في المحافظات، يتصدى من خلالها رجال مكافحة المخدرات لهذا الداء الخطير. والمخدرات ليست داءً أو مشكلة فحسب، بل هي حرب مدمرة للكوادر البشرية الفتيّة، ومجتمعنا مستهدف في قدراته وفي شبابه، ولذا فالمسؤولية مشتركة، وهي ليست مهمة رجال مكافحة المخدرات فحسب، فكلنا في خندق واحد، ولابد من تضافر جهود الجميع أفراداً ومؤسسات، فكل الجهات مسؤولة لمواجهة هذه الحرب الضروس، فبلادنا - كما أشرت - مستهدفة لا لوجود المادة وتوفرها لدى الشباب، بل هناك عوامل هي لدى البعض أهم، فبلادنا مهد الرسالة، ومشرق النور، ونبض الأمة وفؤادها، إليها يتجه الناس في صلواتهم كل وقت، وهي رائدة الأمة، وإليها تتجه الأنظار والأفئدة، وأعداء الأمة لا يريدون لبلادنا وشبابها الخير. والجهد الذي يبذله رجال المديرية العامة لمكافحة المخدرات مشكور، إلى جانب جهود المؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية المساندة في التوعية، والوقاية، والتحذير من أضرار المخدرات، ولكن المشكلة أن المخدرات ليست داءً يبرأ وتزول آثاره في المجتمعات بالعلاج، فهي داء عضال، بل هي حرب دائمة تتطلب اليقظة والحذر، والاستعداد التام، وإعداد القوة والعتاد لمواجهة القائمين على هذه الحرب ليس في بلادنا، بل في عقر دارهم، وهو ما تم إنجازه في أعمال كثيرة - ولله الحمد -، ولابد من تضافر جميع الجهود الرسمية والأهلية والأفراد لوقاية أبنائنا من هذا الخطر الذي يهدد مستقبل الكثير من المجتمعات، ويستنزف جانباً عظيماً من مواردها المادية، وإمكاناتها البشرية. وهنا أهيب برجال الأعمال والشركات والمؤسسات التجارية الوطنية للإسهام، ضمن مسؤولياتهم الاجتماعية في المكافحة، من خلال دعم برامج التوعية عبر وسائل الإعلام والاتصال، بالتنسيق مع الجهات المعنية. حفظ الله شبابنا وبلادنا من كل سوء ومكروه، وأدام علينا نعمة الأمن والإيمان، وحفظ الله البلد الأمين من شرور الشياطين. alomari 1420 @ yahoo. com