في العرف التصنيفي المتعارف عليه كان الإعلام في وقت مضى يمثل السلطة الرابعة، ولكن يبدو اليوم أنه أقوى من الدرجة الرابعة، فهو بكل تأكيد مع ثورة الإعلام الجديد وصل لمرحلة متقدمة جداً على مستوى التأثير السياسي والشعبي، والإعلام سواء الجديد ممثلاً بموقعي «الفيس بوك والتويتر» أو التقليدي من خلال الصحافة والقنوات الفضائية لوحظ في السنوات الأخيرة مدى قوة تأثيره على حجم الأحداث، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. وهناك العديد من وسائل الإعلام تسخر طاقتها من أجل لفت الانتباه لقضية لأهداف مختلفة سواء كانت آيدلوجية أو إنسانية، فمنهم من يحرص على تقديم الحقيقة كما هي من دون أي تأثيرات من الخارج أو الداخل، ومنهم من يعمل على أجندته الوطنية أو الإقليمية من أجل كسب الرأي العام ومكاسب أخرى مختلفة. وكما يعرف الجميع تعتبر قناة الجزيرة القطرية من أكثر القوات الفضائية إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، فمنذ تغطيتها الشهيرة لأحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر في العام 2011 وبثها الشهير لخطابات القاعدة وسمعتها وصلت لكل بقاع العالم من خلال عرض مقاطع فيديو مسجلة لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وحتى اليوم من خلال أحداث مصر وتونس وحالياً ليبيا تواصل الجزيرة متابعتها وتغطيتها المكثفة من خلال مراسليها المنتشرين حول العالم وبطريقة تفتقد ربما لإنتاج فني متميز مثلما يحصل في العربية أو السي إن إن أو فرانس 24. والملاحظ أن الجزيرة تستميت من أجل نصر القضايا التي تقف بجانبها من خلال حشد المحللين والنقاد السياسيين الذي يوافقون ما تريده الجزيرة، ويلاحظ على قناة الجزيرة تجاهل بعض الأحداث السياسية الأزمات في المنطقة ما يجعلنا نثير التساؤلات حول طريقة إدارة الأخبار خلف الكواليس والقنوات الخلفية في القناة، فهي على سبيل المثال لا الحصر لم تعرض الإنجازات للجيش السعودي أثناء الأزمة مع الحوثيين التي انتهت بانتصار سعودي لم تهتم به الجزيرة ولم تبذل طاقتها اللوجستية التي تحرص عليها خلال الأزمات الحالية في مصر وليبيا على سبيل المثال. كما لم تقدم الشبكة أية تغطية عادلة لقضية آل مرة التي حدثت في قطر قبل سنوات، وغيرها الكثير ما يجعلنا نعيد التساؤل مجدداً، هل الجزيرة تعمل وفق آلية مسبقة التخطيط بأجندة تركز على حدث وتتجاهل الآخر، أم أنها هفوة وسقطة؟ يقدم الفيلم الوثائقي «Control Room» أرشفة تحكي تفاصيل ما يدار خلف الكواليس في قناة الجزيرة القطرية، حيث تم إنتاج الفيلم في العام 2004 أي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بثلاثة أعوام فقط، ويتضمن الفيلم تغطية قناة الجزيرة لأحداث الحرب الأمريكية في العراق في شهر مارس من العام 2003 وينقل الفيلم التصريحات المثيرة للجدل من قبل وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد تقابلها تصريحات من محمد سعيد حول الدعاية التي يقدمها الإعلام الأمريكي تجاه ما يحدث في العراق، وأيضاً زعم قناة الجزيرة بتعرض مقرها لقصف من قبل الجيش الأمريكي. كما يسلط الفيلم الضوء على حقيقة ما إذا كانت الجزيرة متحيزة لبعض القضايا على حساب المهنية الإعلامية المتفق عليها، بالإضافة الى توجيه الفيلم عدة تساؤلات تتمركز حول إستراتيجية قناة الجزيرة في تغطية الأحداث وكيف تنظم التصيعد وتنهيه متى أرادت. والفيلم يجرنا لسؤال عن المهنية التي ربما تكون مفقودة أحياناً في أسلوب قناة الجزيرة، فعلى سبيل المثال نجد الكثير من القنوات الإخبارية المهنية مثل روسيا اليوم والبي بي سي وأحياناً العربية تنوع موادها الإخبارية حسب قوة الظرف السياسي وتقدم عدالة في تسليط الضوء على أحداث مشتعلة، فنجد الآن أن البي بي سي البريطانية تعطي ما حدث في اليابان جانباً من مساحتها الإخبارية. فيما تقدم روسيا اليوم متابعات لافتة لجميع الأحداث العالمية، والعربية تسلط الضوء على الأزمة الإيرانية ثم تعود لمتابعة ليبيا ثم تراجع ما يحدث في مصر وهكذا، أما الجزيرة فالإستراتجيية تختلف تماماً، فهي لم تقدم المساحة الكافية لما حدث في إيران، ولا يمكن أن تصعد أي أزمة تحدث في إسرائيل مثلاً ولم تقدم ما يكفي لمتابعة الحرب السعودية الحوثية، وهذه الإستراتيجية ليست مثالية في المهنية الإعلامية لأنك حتى لو قدمت الحقيقة لا يعني أنك تتجاهل حقائق أخرى. ولهذا يجب أن تغير الجزيرة من أساليب الإعداد التي من الواجب أن تتوافق مع المهنية الإعلامية التي تتطلب تنوعاً في المواد الإخبارية تعطي لكل حدث قيمته الإخبارية، وتجعل المشاهد يثق في توجهات القناة وصدق نيتها، وعملها الدؤوب الذي يعكس سمعتها على المستوى الشعبي والسياسي.