وحدتنا الوطنية ليست محلاً للأخذ والرد، ولامجال للاجتهادات والتنظير من هنا وهناك، فالشعب السعودي قال كلمته، وأعطى عليها العهود والمواثيق بأن تبقى المملكة العربية السعودية - إن شاء الله - رافعة الرأس شامخة الأنف، حارسة للحرمين الشريفين، مأوى لأفئدة الملايين من المسلمين، ومن محبي الخير والسلام من جميع بقاع الأرض. لقد وحد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - هذه البلاد بعد شتات، وجمعها بعد فرقة، ووطد دعائم الأمن بعد نهب وقتل، وحكمها بشريعة الله بعد تخبط وترهل، وفتح الله على يديه خزائن الأرض فامتد الخير والعطاء إلى أرجاء الوطن. وانطلقت المملكة العربية السعودية تسابق الزمن في التنمية، وفي جميع مرافق الحياة، فهي دولة عربية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وعندما فتح الله على هذه البلاد من كنوز الخيرات، اتجهت الدولة لبناء الإنسان فتوسعت في البعثات الخارجية وفتحت الجامعات والكليات والمعاهد التقنية وأثبت الشباب السعودي قدرته على استيعاب التقنية، والتعامل معها على أرقى المستويات، هذه الإنجازات الضخمة في مسيرتنا التنموية يعتز بها كل مواطن ويبذل في صيانتها من العبث والتخريب كل غال ونفيس. أمضى الملك عبدالعزيز أكثر من ثلاثين عاماً في تجميع هذا الكيان وتثبيت دعائم الأمن والبناء والحضارة في دولة عصرية تمتد جذورها في أعماق الزمن. وسار على نهجه أبناؤه ملوك هذه البلاد، فسارت التنمية على قدم وساق في جميع أرجاء الوطن، كل يوم نشهد فيه نقلة حضارية، في تشييد مصنع، أو افتتاح جامعة، أو إقامة خدمات طبية، أو بناء سدود، أو خطوط سريعة تمتد في عرض البلاد وطولها، وغيرها من عوامل النمو والازدهار، والدولة قبل هذا وذاك دولة مسلمة، تعتز بدينها، وتحكم به، وتتحاكم إليه، ودستورها يؤكد هذه الحقيقة بل إن الدولة سخرت جانباً كبيراً من إيراداتها لخدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، طباعة ونشراً، تعلماً وتعليماً، واهتمت بخدمة الحرمين الشريفين توسعة وصيانة، تسهيلاً للحجاج والمعتمرين والزائرين، وتوفيراً لوسائل الراحة لتأدية مناسكهم في أمن وطمأنينة، وتعتبر الدولة ذلك واجباً دينياً وليس تفضلاً. وهي لا تتأخر عن واجبها تجاه أمتها الإسلامية في كثير من المواقف وبخاصة القضية الفلسطينية والشواهد على ذلك واضحة جلية. أقول: إن المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تسعى في كل اتجاه لخدمة وإسعاد المواطن، ومع فرحة كل مواطن بعودة خادم الحرمين الشريفين من رحلته العلاجية بعد أن منّ الله عليه بالشفاء، فإن الأوامر السامية التي أطلّ بها على شعبه عززت الثقة والمحبة والولاء، بين القائد وشعبه، وارتفعت الدعوات المخلصة بطول العمر وتمام الصحة والعافية لمقامه الكريم، وأعتقد جازماً بأن المستقبل يحمل البشريات لأبناء وبنات هذا الوطن الغالي، بحياة كريمة أفضل وبحلول عاجلة لمشكلات الشباب وتوفير فرص العمل في القطاعات العسكرية والقطاع العام والخاص، وتخفيف المعاناة في السكن والزواج، والأخذ بأيدي الشباب إلى ممارسة التجارة والأعمال الحرة، والعمل في المهن التي تضمن لهم ولذويهم دخولاً ممتازة.. بقي أن نشير إلى نقاط مهمة فيما يلي: أولاً: المسؤولية الأمنية: فأمن الوطن، وسلامة المواطن تقع على عاتق المواطن نفسه مثل ما تقع على الجهات الأمنية، فالمواطن يريد أن يأمن على نفسه وأسرته، يريد أن يذهب أولاده إلى المدارس والأسواق في أمن وطمأنينة، يريد أن تكون ممتلكاته ومكاسبه سالمة من العبث والتخريب، ولهذا فإن دور المواطن في الأمن لا يقل أهمية عن دور رجل الأمن. وقد رأينا بعض المواطنين يمسك بشخص حاول الإخلال بالأمن حتى سلمه لرجال الأمن. فاللحمة الوطنية تقتضي التعاون في حفظ الأمن، وسلامة المكتسبات الوطنية. ولا يعني هذا إرهاب المواطن أو إهانته بل حمايته عن الأضرار التي قد تلحق به وبأسرته - لا سمح الله - عند اختلال الأمن وظهور الفتن وقد قال الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} (25) سورة الأنفال. ثانياً: وسائل التعبير والمطالبة: ينبغي أن تكون المطالبة بطريقة حضارية، وأن يحصل المطلوب - إذا كان حقاً - من أيسر الطرق وأقربها إلى النفس محبة وتعاوناً.. فالمواطن له حقوق، وعليه واجبات والتكافل أمر مطلوب في حصول المواطن على حقوقه مع قيامه بواجباته تجاه دولته ومجتمعه. والتعبير عن المطالبة بشيء من المظاهرات أو الكتابات الجارحة أو الاستعانة بالأجنبي في أوضاعنا الداخلية أمر مشين، ويهدد الوحدة الوطنية، ويفتح على المجتمع أبواب شر يصعب معالجتها بعد فوات الأوان، فالوحدة الوطنية يقابلها خطوط حمراء لا ينبغي الاقتراب منها، وحرية التعبير ينبغي أن تكون مكفولة للجميع، ولكن بطريق حضاري، بالحوار، والتدرج، ووضع الأولويات، والمعادلات الصحيحة في التسوية بين المناطق في مجالات التنمية من مشاريع وجامعات، ومشاركات في تحمل المسؤولية وصنع القرار. وهذه أمور نرى أنها تسير في طريقها الصحيح، والخطأ والتقصير إذا وجد فإنه ينبغي التنبيه عليه بأسلوب مناسب، وشفافية مقبولة، وأبواب المسؤولين مفتوحة ووسائل الاتصال مكفولة مكشوفة.. المهم صلاح النية وحب الخير للبلاد والعباد. ثالثاً: وضع المملكة العربية السعودية يختلف عن أوضاع كثير من الدول والمجتمعات، فبعض هذه الدول جرى فيها الاستيلاء على السلطة بطريق الانقلابات العسكرية وقد تفرض عليها حالات الطوارئ عدة سنوات وينتج عن ذلك تعطل التنمية ومضايقة المواطنين في معاشهم، وأرزاقهم، وحرياتهم، بل ربما جرت مضايقتهم في عقائدهم وعباداتهم. والمملكة العربية السعودية احتفلت بمرور مائة عام على تأسيس المملكة على يد القائد الباني الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، فقد أسس المملكة على أركان ثابتة تقوم على تحكيم الشريعة الإسلامية، والعدل والمساواة، وحرية المواطن في اكتساب العيش بطرق الحلال وحرية الاقتصاد.. إلخ. وليس بالضرورة أن ما يجري في بلد ما يصلح تطبيقه في هذا البلد، لاختلاف الأنظمة والأحوال وللتركيبة السكانية من مدنية إلى قبلية، وكلها تشعر بأن الجزيرة العربية عاشت أسوأ حالاتها قبل توحيدها على يد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - ولهذا فإن المواطنين يدركون حجم المخاطر والفتن، وما يصاحبها من انتهاك للأعراض وسفك للدماء، وضياع للحقوق والمكتسبات. فالمواطن يجب أن يكون هو صمام الأمان لوحدتنا الوطنية ومكاسبنا التنموية حتى تعيش أجيالنا في أمن ورخاء، وعزة ووفاء، ترعى الحرمات وتحفظ الكرامات والمقدسات وتعد للأجيال القادمة بنيتها الأساسية لاستيعاب مطالب عشرات الملايين القادمين على تراب هذا الوطن الغالي. وإنني في مقالي هذا لا أريد الحد من مطالب المواطنين العادلة فقد تكون عوناً للدولة فيما تهدف إليه من إصلاحات مستقبلية، وقد بدأ خادم الحرمين الشريفين بإصلاحات جريئة وتغييرات واسعة في السياسة والاقتصاد والتنمية بما يجعل الدولة في مصاف الدول الكبرى مستقبلاً تقنية، ومهارة، وتطوراً وأمناً، واستقرارا يسعد به الحاضر والباد. وهناك حقيقة أختتم بها مقالي هذا، وهي أن هذه البلاد قامت على عقيدة إيمانية راسخة تقوم على تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتقبل الجديد النافع الذي لا يمس ثوابت هذا الدين، وهذه حقيقة تدركها القيادة جيداً وتجتمع عليها الكلمة بين المواطنين لأنهم مسلمون، وقد أشرت إلى هذه الحقيقة في إحدى قصائدي قائلاً: وانطلاق إلى البناء وهدم في دنى العرف كيف يلتقيان؟ لا يقيم الأمور إلا اعتصام بجناب المهيمن الديان والتزام منهج الله يعلي في ثبات شريعة القرآن وبلادي في نعمة شاءها الله ومجد موطّد الأركان وسباق مع الزمان لتبقى معقل المجد والهدى والبيان فاستقيموا فما تبدد جمع ثابت العزم راسخ البنيان د. زاهر بن عواض الألمعي