كان آباؤنا ينصحوننا ولم تكن نصائحهم في رأينا سوى آراء شخصية تكونت لديهم من خلال تجارب تمت في ظروف ووقائع لم تعد قائمة في زمننا، وبالتالي فحكمنا عليها كان قاسياً إلى درجة الإهمال. عندما كبرنا تأكدت لنا مقولة أن من لا يعتبر بتجارب غيره، عليه أن يكابد مفرزات تجاربه. المشهد يتكرر مع أولادنا ذكوراً وإناثاً، فأفكارنا بالنسبة إليهم تحنطت عند سقف معين خاصة وهم يلاحظون جهلنا بتقنية المعلومات ومفرداتها بعد أن أصبحوا يعيشون مع الإنترنت و»الجوجلة» و»اليوتيوب» و»الفيس بوك» و»التويتر»، مما ولّد لديهم قناعة بأننا نفكر وفق قناعات تجاوزها الزمن مما أفقد نصائحنا الواقعية والحيوية، وأصبحت من وجهة نظرهم عاجزة عن فهم الحاضر والتجاوب مع استحقاقاته. أخلص مما تقدم إلى أن لكل جيل معطياته ومتطلباته المنبثقة من واقعه ومشاهداته وعناصر تكوين الرأي لديه، وشبابنا اليوم يعيش مع شباب العالم فيما يسمى بالقرية العالمية يتواصلون ويتناقشون ويطلعون على أحوال بعضهم البعض وعلى كل جديد في هذه القرية العالمية، وجيل الآباء مخيّر بين الانفصال عنهم أو الاندماج بهم فالمستقبل ملكهم. عندما يتململ بعض شباب اليوم لأنهم لا يملكون السيارة ولا السكن ولا الوظيفة التي ترضي طموحاتهم، لا ينفع معهم أن تسرد عليهم شظف العيش الذي عشته في شبابك أو سكنك في غرفة في بيت العائلة أنت وزوجتك، أو التواصل عبر الرسائل البريدية فقط، أو تقاضيك لراتب شهري قدره ثلاثمائة ريال في الستينات من القرن الماضي، أو وسائل الترفيه التي كنت تفرّج بها عن نفسك، ولا عن مطالعاتك ومصروفك الذي ينفق في اقتناء الكتب وبين أيديهم «اللاب توب» و»الآي باد» يقرأون من خلاله أي كتاب في أي مكتبة في العالم. وعندما يطالب شباب اليوم بالمشاركة في التخطيط واتخاذ القرارات والرقابة محتجين على استبعادهم من المساهمة في صنع مستقبلهم، وعلى الغلاء الذي يستشري ليستنزف جيوبهم، وعلى الروتين الحكومي الذي يعيق إنجاز معاملاتهم، وعلى الفساد الذي يثري البعض على حساب رفاههم، والمحسوبية التي توظّف بعضهم وتحجب الوظيفة عن البعض الآخر، لا يجدي معهم أن تروي لهم الحالة الاجتماعية التي عاشها أجدادهم أيام الخلافة العثمانية من بؤس وشقاء وانعدام الأمن، ومصادرة أقواتهم، وما تحقق لهذه البلاد من أمن ورخاء على يد المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز وعلى يد أبنائه من بعده، فتلك حقبة لها ظروفها ومتطلباتها، وهذه حقبة للشباب فيها متطلباتهم وطموحاتهم. لنحاول جسر الفجوة بين جيل الشيوخ وجيل الشباب لنضمن عدم انحراف الشباب والإبقاء على الأمل لديهم، ولعلنا كما نجحنا في التقريب بين شرائح المجتمع المدني من خلال الحوار الوطني أن نبدأ حواراً مع الشباب ذكوراً وإناثاً، ليتعرّف جيل الشيوخ على تطلعات وطموحات الشباب، ويتعامل معها دون غلو أو تهميش. لا يمكن حل مشكلة البطالة دون حوار مع العاطلين، ولا يمكن أن نطوّر التعليم دون حوار مع الطلبة، ولا يمكن لجيل الشيوخ أن يخطط للمستقبل دون مشاركة رجال وسيدات المستقبل. علم الإدارة أثبت أن المشاركة في التخطيط حافز على المساهمة الجادة في التنفيذ وحافز على ممارسة الرقابة لتحصين التنفيذ ضد الانحراف.