ليت أن كل الشعوب الجاهلة تتعلم من شعب مصر السلوك الحضاري تحت كل الظروف بما في ذلك الأزمات التي تعصف بالبلاد، فشعب مصر العظيم كما رأى القاصي والداني قام في البدء باحتجاج بسيط يطالب بالخبز والحرية والعمل وأخذت الجماهير تتقاطر إلى ساحة التحرير شيئاً فشيئاً إلى أن بلغ تعدادها ما يفوق المليون وفي هذا الزخم ومن خلاله حاول بعض المندسين و(البلطجية) أن يشوهوا الثورة - الاحتجاج-، فحاولوا في البدء نهب المتحف الوطني بقصد تشويه وجه الثورة وإدانة المتظاهرين وتصويرهم أمام العالم بأن هؤلاء المتظاهرين مجموعة من الرعاع الجهلة والأوغاد الذين لا يعرفون معنى للحضارة الإنسانية ولكن مجموعة من مثقفي الشعب نبهوا المحتجين لهذه اللعبة القذرة فكانت استجابة الجماهير سريعة لحماية إرث مصر الحضاري بأجسادهم عبر سياج بشري لحماية هذا الرمز الحضاري الثمين. وقد تطورت فكرة حماية مكتسبات الشعب وممتلكاته سواء كانت أهلية أو حكومية فلم يجرؤ متظاهر واحد على تحطيم المحلات التجارية ونهب محتوياتها كما تفعل -عادة- الجماهير الغوغائية في العالم الثالث. أما المشهد التاريخ الثاني فقد كان احترام الشعب لجيشه واحترام الجيش لشعبه بحيث إن العالم كله قد شاهد المواطنين وهم يمتطون المدرعات العسكرية دون أي اعتراض من قبل الجيش بل إن بعض المتظاهرين قد كتبوا شعاراتهم ومطالبهم فوق صفائح تلك المدرعات دون أن يردعهم أحد. أما المشهد الثالث فهو أن الجماهير المحتجة لم تتصادم مع الجماهير المؤيدة للنظام والتي سرعان ما كشفتها بأنها عبارة عن مجموعات من رجال الأمن و(المخابرات) تحديداً، لذلك اعرضت عن الاشتباك معها إيماناً منها بأن هؤلاء الناس مجبورون بالأمر العسكري على فعل ذلك وهذا الأمر انعكس على نفسية هؤلاء الرجال فانضم أكثرهم إلى صف الشعب مؤيداً لمطالبه العادلة. أما المشهد الرابع فهو إزاحة صورة الرئيس مبارك بكل هدوء وأدب كما لاحظ العالم كله ذلك، ولم يقم أحد -كما هو سائد في العالم الثالث - بتمزيق الصورة أو ضربها بالنعال أجلكم الله كما شاهدنا ذلك في احتجاجات لشعوب أخرى في العالم الثالث حينما تُسقط أو تنقلب على الرؤساء. أما المشهد الخامس فهو عودة تلك الجماهير بعد أن أنجزت مهمتها إلى ساحة التحرير لتنظيفها من مخلفات المتظاهرين طوال الأيام السابقة. يبقى القول أخيراً: هذه مصر الحضارة فمتى تتعلم الشعوب من حضارة مصر؟!