إذا أجبرتك إشارة المرور على التوقف تحت رحمتها في أحد شوارع وسط الرياض وتحديداً شارع العشرين بمنفوحة أمام عمودها الأصفر الذي يبدو أنه لم يرمم أو يشيك عليه!! فما عليك إلا أن تطلق لعينيك حرية التنقل وتطلق لها عنان البصبصة يمنة ويسرة ولوللحظات لتبصر حركات وتصرفات من حولك ستجد العجب العجاب من الحركات اللاإرادية، فستجد من هو منهمك في الهواجس، وكأنه يحمل على عاتقه جبلاً من الهموم حتى إن السيارات تنطلق دون أن يعي، وستجد من يحلل مسائل دقيقة جدا من التفكير ويظهر ذلك جليا من حركاته مثل إغلاقه لعينيه أوعركه لمقدمة رأسه (جبهته). وستجد من يعبث بأنفه وكأنه يتعرف عليه للتو أو لم يعرف أن له أنفا إلا عند الإشارة، وهناك من يعمل جاهداً ومتعجلا على البحث عن أسماء البلوتوث ذات المغزى الجذاب!! لكي يتراسل معهم!!. وهناك من يصرخ في الجوال ويحرك يده في إشارات عشوائية رح كذا أو تعال كذا، وكأن من يكلمه يراه وهناك من كان يتشاجر ويزبد ويرعد على امرأة كانت معه وكأنه يتعجل الشجار قبل أن يصل إلى العيال في البيت.وهناك من يتسابق مع نفسه وأن تفتح الإشارة ليمخر عباب الطريق بأسرع وقت، وكأن الحكم سيعلن انتهاء الوقت بعد دقائق، وهناك من رمى عينيه إلى أحد نوافذ الفانات أو الصوالين المغطاة بجدار أسود من التظليل معتقدا أن هناك غزالا شاردا قد تسمر خلف الزجاج، كان هذا حال منهم في السيارات، أما من كان على الأرض وهذا ما انفردت به شوارع منفوحة واليمامة فهو امرأة (بيضاء) تحمل طفلا (اسود) تتسرول به!! صبي وفتاة صغيران حافيان رثا الملابس والملامح يبيعان المناديل بقصد الاستعطاف أو بشكل أدق التسول، مجموعة من الشباب الفتوة ملابسهم تفضح مستورهم ما إن يروا سيارة حديثة حتى يبادروا إلى ترويج خدماتهم!!! ولك أن تطلق العنان لخيالك في هذه الخدمات التي يمكن أن يعرضوها عليك، وقتها تمنيت أن يتنازل معالي الوزراء كل فيما يخصه ليتجولوا بأنفسهم في أحياء الرياض الداخلية ليروا بأعينهم ما الذي يجب أن يعملوه بعدكل ما رأيت- حمدت الله- على كل حال، ومددت يدي إلىكتيب يصاحبني اشتريته خصيصا لأقرأ فيه عند الإشارة أو التوقف الطويل في طريق الملك فهد أو الدائري الشرقي!!! يتحدث عن الحوار والجدال ويؤكد أنهما يحملان المعنى نفسه. وكلاهما يدلان على تبادل الحديث بقصد الوصول للحقيقة قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.