تشكو قرية الفاو الأثرية التي يعود تاريخها إلى ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام بعدة قرون إلى الإهمال الكبير لهذا الموقع الذي توقف التنقيب عن آثاره منذ أكثر من ثمانية أعوام مما كان له المردود السيئ على مستقبل هذه القرية كموقع أثري مهم. ففي زيارة ل(الجزيرة) للقرية الأثرية المهمة في تاريخنا وحضارتنا وجدناها قد بدأت تندثر وتتعرض للعودة إلى حيث كانت قبل اكتشافها، بل تمنى الكثير من المهتمين أنها لم تنقب ثم تهمل حتى لا تتعرض لعوامل التعرية والتدمير البشري نتيجة ضعف الحماية لها برغم وجود الحارس الذي لا يملك مقراً خاصاً بالحراسة وقد بذل جهوداً كبيرة ومحاولات مستميتة لحماية الموقع بوضعه بعض الأحجار والحواجز الحديدية البدائية والكفرات القديمة لحجز المارة والسيارات دون فائدة، وقد شاهدنا سور الموقع الذي يحيط بجزء يسير جداً من موجودات القرية وهو غير آمن وبه عدة فتحات في الشبك المحيط بما تم تنقيبه خلال السنوات الماضية والذي لا يمثل 5% من مساحة الموقع مما يجعله عرضة للعبث وسرقة الموجودات أما باقي الموقع الذي تزيد مساحته عن 4كم2 تقريباً فما يزال أرض فضاء دون حماية مما يجعله عرضة للسرقة ومرور السيارات والحيوانات السائمة والضالة، ومما يشار إليه أيضاً هو عدم وجود متحف يضم أي شيء من موجودات القرية ولا يوجد مرشد سياحي ولا من يمنح حتى الإذن والسماح بزيارة القرية في الموقع نفسه حيث يصل عدد من السياح للقرية فلا يجد إلا الحارس الذي لا يملك إعطاء الإذن مما يجعله يعود أدراجه إلى المحافظة ومكتب الآثار والسياحة على مسافة 150 كلم عن موقع القرية ثم يعود بنفس المسافة، وما يشار إليه أيضاً عدم وجود أدنى خدمات أو مرافق أو حتى دورات مياه مما يعني الإهمال الكامل للموقع، كما أن الطريق الموصل للقرية والبالغ طوله حوالي كيلومترين والمتفرع من طريق وادي الدواسر - نجران طريق رملي غير معبد مما يصعب من الوصول إلى القرية سوى للسيارات ذات الدفع الرباعي والتي تلاقي هي الأخرى مشاكل في بعض الأحيان، وحقيقة أن حال القرية يشتكي همه لجميع المهتمين بالآثار وعلى رأسهم هيئة السياحة والآثار بحماية الموقع أولاً وتسويره وتشديد الحراسة عليه ثم إعادة النظر في مواصلة التنقيب فيه واستثماره سياحياً بعد توفير الخدمات له والتي يأتي في مقدمتها المتحف الأثري وتعبيد الطريق الموصل لها وتأمين مرشد سياحي فمن يملك مثل هذا الموقع الذي يدل على تلك الحضارات الغابرة يجب ألا يفرط فيه ولا يهمله بهذه السهولة، فالقرية (تحتضر) وهيئة الآثار مازال الجميع ينتظر منها الوقفة العاجلة لتأهيل هذا الموقع الأثري المهم في جزيرتنا العربية. (الجزيرة9 ومن موقع القرية التقت حارس القرية سعد بن راشد بن سحيم الذي قال: كما ترى في كل يوم أعمل جاهداً على جلب بعض الحواجز من كفرات وصخور لمنع السيارات من دخول وتدمير الموقع بل وسرقته، حيث أشار إلى أن الموقع تعرض العام الماضي للسرقة مساء مما جعلني أقوم بحراسته ليل نهار وقد وجدت من يتسلل في الليالي المقمرة للموقع وعند ملاحظتهم لوجودي يفرون هاربين، مؤكداً أنه لا يملك موقع للحراسة أو زملاء للمناوبة في حراسة الموقع، وعن زوار القرية الأثرية قال ابن سحيم: إنهم كثر جداً وخاصة من الجنسيات غير العربية ويمكثون في جولتهم عدة ساعات وكثيراً ما يسألوننا عن وجود موقع للراحة فلا نجد سوى أن ندلهم على بعض الأشجار القريبة في حافة الوادي. الأهمية التاريخية لقرية الفاو الأثرية: قرية الفاو الأثرية كانت تُسمى عند البادية «قرية» تقع في المنطقة التي يتداخل ويتقاطع فيها وادي الدواسر مع جبال طويق عند فوهة مجرى قناة تُسمى «الفاو» والتي استمدت القرية اسمها الحديث منها، وتشرف قرية على الحافة الشمالية الغربية للربع الخالي، فهي بذلك تقع على الطريق التجاري الذي يربط جنوب الجزيرة العربية وشمالها الشرقي حيث كانت تبدأ القوافل من مملكة سبأ ومعين وقتبان وحضرموت وحمير متجهة إلى نجران ومنها إلى قرية ومنها إلى الأفلاج فاليمامة ثم تتجه شرقاً إلى الخليج وشمالاً إلى وادي الرافدين وبلاد الشام. تُحدثنا قرية الفاو عن تلك الحضارة العريقة لمملكة «كندة» وامرئ القيس وملك قحطان وكيف كانت بيوتهم وأسواقهم ومتاجرهم وملابسهم وأطعمتهم وآنيتهم ووسائل زينتهم ونظام أمنهم ودفاعهم عن حصونهم وأبراجهم وعن ثقافتهم وأنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية التي تسجلها معابدهم القديمة، والتي تعود إلى ما قبل ميلاد المسيح بثلاثمائة عام أو يزيد. وقد بدأت الأنظار تتجه نحو «قرية الفاو» كموقع أثري منذ عام 1940م حين نبه له أحد موظفي شركة أرامكو، ثم تلا ذلك رحلات واستطلاعات علمية قام بها «عبد الله فلبي» وبعض علماء الآثار الأجانب.. فما كتبوه عنها كان النواة الأولى بيد جامعة الملك سعود بالرياض لتبرزها في «قرية الفاو» عام 1971م وتورق لنا هذه الشجرة الحضارية التي أصبحنا نتظلل تحت أفيائها التي كانت حصيلة مجهودات علماء جامعة الملك سعود والآن فيما بذلوه لإنماء تلك الشجرة العريقة. وبنظرة إلى المساحة السكانية لقرية الفاو نجد أنها من أكبر المدن المعاصرة لها بل والمدن المعروفة سواءً في الجزيرة العربية أو خارجها، فطول المدينة من الشمال إلى الجنوب يبلغ أكثر من كيلومترين وعرضها من الغرب إلى الشرق يبلغ حوالي كيلومتر واحد دون الدخول في المنطقة الزراعية للقرية. وتشمل آثارها الظاهرة على عدد وافر من التلال الأثرية المنتشرة التي يصل بعضها في أقصى ارتفاع لها إلى ثمانية أمتار ولعل أبرز المباني هي الأبراج التي تنتشر في الناحية الشرقيةوالجنوبية على غير انتظام ولقد ثبت بعد فحصها أن بعضها نصب جنائزية فوق المقابر. والسوق بُني على مقربة من الحافة الغربية للوادي الذي يفصل بين جبل طويق وبين حدود المدينة شرقي المنطقة السكنية ويبلغ طول السوق 75.30م من الغرب إلى الشرق، و20.25م من الشمال إلى الجنوب، ويحيط بالسوق سور مكون من ثلاثة أسوار متوالية ومتلاصقة أوسطها من الحجر الجير أما الداخلي والخارجي فمن اللبن، وللسوق باب واحد ضيق يقع في النصف الجنوبي من الضلع الغربي ويحيط بالسوق سبعة أبراج الوسطى منها مربعة الشكل أما الركنية فمستطيلة. وبداخل السوق مساحة يصطف على جانبيها دكاكين من الناحيتين الشمالية والجنوبية ودكان واحد من الناحية الشرقية وآخر من الناحية الغربية وواجهات الدكاكين مبنية بالحجارة وأبوابها واسعة تنتهي بعتبة علوية نصف دائرية وتفصل بين مجموعة وأخرى من الدكاكين ممرات تؤدي إلى مخازن خلفية، كما يوجد أدوار عليا استخدمت كمخازن أيضاً. ويوجد في وسط السوق بئر عميقة حفرت حتى عمق خمسة أمتار وتلتصق بها قناة بسعة 20سم تنقل المياه إلى خارج السوق، ويقع غرب السوق مباشرة تل كبير ضمن التلال التي تم التنقيب عنها ويظهر في هذا التل الحي السكني الذي يُظهر تفاصيل المباني والمعابد التي أظهرت تاريخها الديني. وعرفت «قرية الفاو» فناً معمارياً متميزاً ما زالت هندسته معروفة وقائمة إلى اليوم في كثير من مناطق نجد والجزيرة العربية من حيث مواد البناء وهندسة العمارة وتبليط المباني وزخرفتها من الداخل والخارج وذلك فيما اكتشف من عمارة السوق والقصر والمعابد والأحياء السكنية بالقرية.