في ظل التوترات السابقة لبدء العمليات العسكرية في أفغانستان وتعبئة الشعب الأمريكي وحثه للوقوف خلف قرار الإدارة الأمريكية بضرب ما اعتبرته أوكارا للإرهاب.. أثارت قضية قصف بعض الأقلام الصحفية المعارضة التي تناولت أفكارا مغايرة للاتجاه العام جدلا واسعا حول القيود التي يمكن ان تفرضها ظروف الحرب الحالية على حقوق التعبير عن الرأي وحريات الممارسة الصحفية الأمريكية.وكان بعض الكتاب والمعلقين الأمريكيين قد تعرضوا لهجوم شديد عقب تعبيرهم عن انتقادات لسياسة الرئيس الأمريكي وحكومته في التعامل مع التفجيرات التي تعرضت لها واشنطن ونيويورك، ووصل الهجوم إلى حد فصل هؤلاء الكتّاب من مواقعهم. الكاتب «دان جوثري» صاحب أحد الأعمدة الصحفية في جريدة «الديلي كورير» الصادرة بولاية «أوريجون» تم منعه من الكتابة، وفصله تعسفيا من الجريدة عقب انتقاده لترتيبات انتقال وعودة الرئيس بوش إلى مقر الرئاسة بواشنطن يوم 11 سبتمبر 2001م بعد علمه بضرب مدينتي واشنطن ونيويورك، وكان الرئيس آنذاك في زيارة لولاية «فلوريدا» غير أنه لم يتوجه مباشرة إلى مقر الرئاسة واستقل طائرته إلى ولاية «نبراسكا» حيث مكث هناك عدة ساعات في أحد المخابئ العسكرية. اختباء الرئيس وعلق جوثري في مقاله قائلا: «إن اختباء الرئيس في أحد حفر نبراسكا أمر مؤسف ومثير للحرج، وما كان يجب أن يصدر من رئيس الدولة وقائد الشعب»، واعتبرت الصحيفة ذلك خروجا عن الاتجاه العام للدولة والشعب الذي يدعو إلى توحيد الخطاب العام، وقررت الجريدة في وقت لاحق إصدار اعتذار عن آراء «جوثري»، وقامت بفصله تعسفيا. ولم يكن الأمر أفضل حالا في جريدة «تكساس صن سيتي» الصادرة بولاية تكساس بفصل «توم جاتنيج» بعد أن تضمن عموده انتقادا شديدا لقدرة الرئيس بوش على قيادة الولاياتالمتحدة خلال الأزمة.وامتنعت مجلة «ناشيونال ريفيو» عن نشر مقالات الكاتبة الأمريكية الشهيرة «آن كولترو» التي كتبت مقالا علقت فيه على مرتكبي الحادث قائلة:«إن علينا أن نغزو بلادهم ونقتل قادتهم، وننصرهم جميعا». مطلق كروز جبان وقد امتدت سياسة « لا صوت يعلو على صوت المعركة» إلى شبكات التلفزيون أيضا حيث اضطر «بيل ماهر» أشهر مقدمي البرامج على شبكة ABC إلى تقديم اعتذار لمشاهديه بعد أن تطرق في برنامجه Politically Incorrect إلى القائمين بالعمليات الانتحارية، وأعرب عن رأيه الشخصي «من أنه بغض النظر عن بشاعة الحادث فإنه ليس من المعقول وصف هؤلاء الانتحاريين بالجبناء. وأضاف أن هذا الوصف أقرب أن يلصق بالقوات الأمريكية التي تقوم بإطلاق صواريخ كروز من على بعد أكثر من 2000 ميل لتصيب به دولة من أفقر دول الأرض. وهو نفس الرأي الذي عبرت عنه الكاتبة «سوزان سوانج» في مجلة « New yorker»، وذكرت أنه ليس من الشجاعة أن يلقي الأمريكيون بالقنابل من طائراتهم المحصنة من أعالي السماء على المساكين في حين نطلق على الذين يزهقون أرواحهم في سبيل معتقداتهم وقناعاتهم وصف الجبناء. أثارت هذه الوقائع جدلا شديدا حول كيفية التعامل مع الرأي المخالف طبقا للأعراف الصحفية الأمريكية وحول المدى الذي يمكن أن تسيطر فيه الرقابة الذاتية على حقوق النقد والتعبير، وكتب «كلارنس بيج» أحد كبار كتاب صحيفة «شيكاغو تريبيون» منددا بهذا التطاول على الحريات المدنية، وأوضح أنه رغم معارضته الشخصية لكثير من هذه الآراء فإن السياسات التي تقوم بها مثل هذه المؤسسات لإسكات الكثير من هذه الآراء لن تؤدي إلى حماية المصلحة العامة للدولة، وإنما الإضرار بحقوق الأمريكيين. وشدد «كلارنس بيج» على أهمية دور الصحافة في هذا الإطار حيث إن من واجبها إثبات دعمها للقرار الأمريكي وفي الوقت نفسه ممارسة الرقابة والإشارة إلى نقاط الخلل أو الضعف في تصرفات الإدارة الأمريكية. وزاد الحديث عما يمكن أن يطلق عليه «الديمقراطية الناضجة» والتي تضمن لمراكز صنع القرار التأييد والدعم خاصة أثناء الأزمات.