عبارة «التأسيس العلمي» أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف نائب وزير الداخلية للشؤون الأمنية عند افتتاحه للندوة الثانية«الأمن والإعلام» بكلية الملك فهد الأمنية في 11/ محرم 1421ه . ولاشك أن مثل هذه العبارة عندما تخرج من سموه وهو في حياض المسؤولية والعبء الكبير هي دعوة صادقة يدعو بها سموه إلى أهمية الحفاظ على الأمن والوطن والمواطن. والتأسيس العلمي إذن يعد من أهم الوسائل العصرية في مناقشة ومواجهة ومعالجة القضايا الأمنية، وخصوصا القضايا ذات العلاقة بالجريمة بأنواعها. إن ما يذهب إليه سموه الكريم في رأينا الشخصي هو التركيز على الأبحاث والدراسات للموضوعات المختلفة ذات العلاقة بالقضايا الأمنية. وباختصار الأخذ بالأسلوب العلمي او البحث العلمي الرصين الذين يستند على اسس علمية بدءاً بالقراءة المتأنية التحليلية النقدية، وتحليل المشكلة، ومن ثم وضع فرضياتها، واختيار المناهج المناسبة لحلها سعياً للوصول الى الحلول الملائمة لأية مشكلة تواجه رجال الأمن والمجتمع ككل. وربما يذهب سموه، ايضاً، الى اهمية البحث بل والتأكيد على معرفة ما إذا كان هناك عامل او عوامل اخرى تقف وراء ارتفاع معدلات الجريمة او معدل الحوادث المرورية وتعاطي المخدرات والترويج لها، والاهم معرفة مستوى الوعي العام الأمني، والذي يبدأ وقبل كل أمر بتعميق العلاقة الايجابية بين رجل الأمن والمواطن. وبالرغم من التجربة الإدارية الأمنية وأهمية التأسيس الأمني الا ان سموه الكريم يسدل الستار لمن يهمه الامر بأنه بإمكان أجهزة الامن بمختلف مهامها يمكن ان تتجاوز الأخطاء والاجتهادات السابقةغير المحكمة عند التخطيط ووضع الحلول لمشاكلنا الأمنية ومعالجاتها مع وضع آلية التخطيط اللاحقة، والتي افتقدناها في الماضي القريب، بسبب واحد لا غير عدم الاهتمام بالأسلوب العلمي الرصين، ربما لعدم معرفتنا بأهميته أو لعدم وجود المتمكنين في هذا المجال. إن عبارة سموه الكريم هي لمن يفهم ويتفهم الدور المطلوب منه تجاه عمله ووطنه، فقد فتح الباب على مصراعيه للعمل الأمني، فقط، لمن أرد أن يخدم ويتصدى للجريمة ومكافحتها بل يناشد بالتخطيط السليم للقضايا الأمنية، بشرط واحد لا غير؛ التأسيس العلمي المنظم مع طرح رؤى جديدة عصرية وعلمية و عملية شعارها «التشخيص السليم»، وهو نصف العلاج، وبذرتها «الوقاية خير من العلاج». هذا الذي يرغب سموه أن يراه في عقلية المنتمين إلى أهم أجهزة الدولة، وزارة الداخلية. إن ما يدعونا لطرح مثل هذا الأمر، وعبر إحدى الصحف السعودية المتطورة دوما، هو التنبيه والتذكير وفتح باب الحوار، خصوصاً، والمجلس الأعلى للإعلام السعودي يتشرف برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، الأمر الذي يجعل الكثير أكثر تفاؤلاً باستمرارية الشفافية في مناقشة قضايانا، وأهمها، القضايا الأمنية، دون المساس بالطبع بالأمن والوطن. ونود مرة أخرى، الى اهمية التأسيس العلمي في معالجة القضايا الأمنية، لنؤكد على اهميته في هذه الحقبة الزمنية. ولعل في تجربتي: مكافحة المخدرات، والحملات الإعلامية الأمنية خير معين للتأمل والتدقيق بما قمنا ولازلنا نقوم به تجاه الحملات الإعلامية. فبالنسبة إلى موضوع المخدرات، فإننا حتى الآن لسنا متأكدين وبشكل قاطع أن المكافحة سبقتها الدراسة العلمية المحكمة وأن أسلوب التأسيس العلمي الذي ينشده سمو الأمير قد وضع أمام العقول قبل الأعين في التخطيط السليم للمكافحة. فالأبحاث والدراسات الإعلامية الرصينة حول معالجة مشكلة المخدرات كدراسة الدكتور/ أديب خضور وغيرها تؤكد على أن ثمة أموراً تحتاج التوضيح والطرح، والإجابة قبل البدء بالمعالجة ، نوجزها بالأسئلة التالية: س1 هل الأنسب الطابع الإخباري أم الطابع التثقيفي في معالجة مشكلة المخدرات؟ س2 هل وسائل الإعلام تعد ضبطاً اجتماعياً ام التزاماً مهنياً؟ س3 هل مكافحة المخدرات مسؤولية فردية أم مسؤولية جماعية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية ونفسية؟ س4 هل هناك تناقض قائم بين محتوى المادة الإعلامية والرقابة الذاتية؟ س5 هل الطرح أو العرض والبث الإعلامي عبارة عن صور واقعية أم مضللة أحياناً دون قصد للمكافحة؟ س6 هل تم تسييس المشكلة على حساب إنجاز المهمة الأمنية؟ س7 هل تم تسمية المجرمين بأسماء محببة وعاطفية أم بأسماء بذيئة والتصدي لهم؟ س8 هل النظرة لمعالجة مشكلة المخدرات أزلية أي النظر إليها فقط بمنظور تاريخي أم مشكلة واقعية يجب التعامل معها؟ س9 هل طرح المشكلة برؤى التصدي والنبذ للمخدرات أم الاستهواء والتقليد وتقديم التائبين في سياق سينمائي دون فهم واستيعاب الصفة الإنسانية؟ س10 هل السرد الإعلامي أفضل أم السرد بالتفسير والتحليل العقلاني؟ س11 هل التعامل مع الاتجاهات السلوكية الاجتماعية يؤخذ بالأسلوب العلمي أم بالأسلوب الارتجالي للوقاية والمكافحة للمخدرات؟ س12 هل المبادرات في المعالجة الإعلامية للمخدرات ذاتية والبحث عن الرؤى العلمية أم الاعتماد على المصادر الحكومية أوالخارجية؟ س13 هل الصحفيون أو الإعلاميون هم من المتخصصين أم المجتهدين في مجال المكافحة والدراية بكيفية التعامل الإعلامي مع مثل هذه الآفة الخطيرة؟ أسئلة كثيرة حول مكافحة المخدرات تتطلب إجابات قبل انطلاق الحملة او المعالجة. فهل بالفعل هذه الأسئلة وغيرها طرحت عند صياغة الحملة للمكافحة؟ فإذا كانت الإجابة ب (نعم)، فهل بنيت الخطة الإعلامية للمكافحة على دراسات وأبحاث محكمة قد أجريت قبل وأثناء وبعد الحملات السابقة؟ وإذا كانت الإجابة ب (لا)، فلماذا؟ أما فيما يتعلق بالحملات الإعلامية الأمنية، فثمة أسئلة لعل أبرزها التالي:س1 هل نفهم الفرق بين «استراتيجية إعلامية»، العبارة الرنانة المحبوبة لدى العقلية العربية دون معرفة حيثياتها و«الخطة الإعلامية» والتي تؤثر على أهداف الحملة إذا ما عرفنا الفرق الكبير مع مفهوم استراتيجية»؟ س2 هل أهداف الحملة مبنية على الملاحظة أم على نتائج الدراسات والبحوث العلمية المحكمة، تدخل المتغيرات كعامل أساسي ومؤثر في حل المشكلة الأمنية؟ س3 هل أسلوب الحملة يقتحم حياة الناس وخصوصيتهم أم في مصلحتهم؟ س4 هل الأفضل أن تقوم بالحملة مؤسسة مستقلة خارجة عن الاجهزة الأمنية ام الجهاز الأمني نفسه، تحسباً للمجاملات والمحسوبية وعدم الاعتراف بالنقص أو الضعف؟ س5 هل الحملةتعرض وتبث زيادة معلومات عن نشاط الحكومة« دعاية وتمجيداً» أم معلومات مقننة للإقناع والتأثير على سلوك البشر؟ س6 هل الطرح يتحدث عن صرامة القانون وجديته مقابل القوانين الوضعية الضعيفة، كالسماح بدخول التدخين والقيام في الوقت نفسه بحملة ضده؟ س7 هل الحملة قبول تعليمي أم قبول مؤثر على سلوك الإنسان؟ س8 هل القائمون والعاملون على الحملة من ذوي الاختصاص أم عكس ذلك؟وباختصار فإن الحملة الإعلامية الأمنية، بعد هذه الأسئلة، هي مواضيع خادعة، حيث يمكن تحويل المشكلة الاجتماعية الى قضية اجتماعية بدلا من الإجابة عليها بصراحة وشفافية متى وكيف حدثت؟ ولماذا حدثت؟وتأسيسا على ما تقدم، وبعبارة واحدة ثمة ضرورة ملحة من إحداث تغير جذري وسريع في فهم العملية الأمنية والتربوية لمعالجة ومكافحة المخدرات والتخطيط للحملات الإعلامية التي تتم عبر وسائل الإعلام وقنوات الاتصال البشرية وفق نظام ومحددات علمية لا تخضع مقياسها إلى صفة القائم على التأسيس العلمي كونه عسكرياً او مدنياً، إنما تذهب إلى الأخذ بالسمات الفكرية العلمية العملية البحثية، و المرتبة ترتيبا علميا ومنهجيا، فضلا على التحرك السريع في توحيد مراكز الأبحاث والدراسات في أجهزة وزارة الداخلية تحت مظلة واحدة وتنظيم إداري عصري ينتج منه توحيد العمل الفكري الأمني والبحث العلمي والترشيد المالي والذي ينعكس على استتباب الأمن. ولا أجزم بل أقول: إن هذا هو الأمر الذي ينادي به سمو الأمير محمد بن نايف. والله من وراء القصد. [email protected]