نتحدث عن مهنة التعليم التي لا تساويها مهنة في الفضل والرفعة؛ إذ ان وظيفة المعلم من أشرف الوظائف وأعلاها، وكلما كانت المادة العلمية أشرف وأنفع ارتفع صاحبها شرفاً ورفعة، والمعلم إذا أخلص عمله لله ونوى بتعليمه نفع الناس وتعليمهم الخير ورفع الجهل عنهم كان ذلك سبباً في تكثير حسناته وزيادة في أجره لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «إنما الأعمال بالنيات» ولعل حديث أبي أمامة رضي الله عنه يبين لنا فضل تعليم الخير يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في حجرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير (رواه ابن عبدالبر). فما أجمل ان نتصفح سير المعلمين الرجال وما أجمل أن تجلس في حضرتهم وتسمع ما يرضي الفؤاد ويوقد العقل، نرحل معا إليهم لنرى عرقهم مسكاً وعنبراً، ونرى نتاجهم صرحاً مشيداً، وعندما نتذكر الرجال يلوح في الأفق سنا المعلم، وما أعظم المعلم النموذج الحسن لرجل التربية، الذي لا ينطق بالتربية بل يمارسها، ولا يتكلم بالتعليم بل يعجل به، وما أعظم أن يتردد اسم المعلم في كل مدرسة، وفي كل منزل وفي كل قلب، وأن يتردد بين جدران القلوب التي أحبته لأنه يدخلها بسجاياه دخول الفاتحين ويستوطنها بفعاله استيطان الماكثين. إن مهمة المعلم مهمة عسيرة وشاقة وهي يسيرة على مَنْ يسرها الله عليه، لا تقتصر على طرح المادة العلمية على طلابه فقط فهي تتطلب من المعلم صبرا وأمانة ونصحا ورعاية لما تحته. ولو عددنا ما الذي ينبغي توفره في المعلم لطال بنا المقام. ولا شك أن من جعل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله مستنداً له في استنباط صفات المعلم وطرق التدريس المختلفة يكون قد حاز على الخير كله وذلك لأن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب الآية 21 ولأنه المعلم الأول الذي علّم وربى صحابته فكانوا خير طلاب لخير معلم « كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون» فلا بد أن نذكر أن أعظم أمر غفل عنه بعض المعلمين والمربين ألا وهو تأسيس وغرس مبدأ إخلاص العلم والعمل لله. أي نعم قد ينتفع بعض المعلمين بمعارفهم في الدنيا من مدح وثناء ونحو ذلك ولكن ذلك عاقبته إلى زوال، لذا كان حري بالمربين والمعلمين أن يغرسوا في نفوس ناشئتهم إخلاص العلم والعمل لله وابتغاء الأجر والثواب من الله ثم إن حصل بعد ذلك مدح وثناء من الناس فذلك فضل من الله ونعمة والحمد لله وتلك عاجل بشرى المؤمن. لذا على المعلم أن يغرس في نفوس طلابه حقيقة الإخلاص كما أن الصدق تاج على رأس المعلم إذا فقده فقد ثقة الناس بعلمه وبما يمليه عليهم من معلومات. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمى بالصادق الأمين. فصدق المعلم يدعو المتعلم إلى الثقة به وبما يقول ويكسبه احترام المتعلمين ويرفع من شأنه في عمله ويتمثل صدقه في مستلزمات المسؤولية الملقاة على عاتقه والتي منها نقل الحقائق من بئر المعرفة بما فيها من معلومات للأجيال. ومن أعظم الوظائف ان يكون المعلم عاملا بعلمه لأنه يعتبر نموذجاً من نماذج المجتمع يحقق إنجازات كبيرة بمثابرته وعمله الدؤوب فهو كالشمعة التي تضيء الطريق للآخرين وعندما رفع شوقي صوته الشعري مناديا: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا كأنما كان يستشعر عظم المهنة وضخامة المسؤولية، ويستقرئ المستقبل المجهول الذي ينتظر مهنة التعليم والمعلمين. فبوركت همم المعلمين الرجال الأخيار، وكم في الوطن من نفوس كريمة تعمل بصمت وتترك لأعمالها الحديث ولأفعالها القول، لذا أدعو كل طالب في أي مدرسة وأناشده: أيها التلميذ أقبل على معلميك واحترمهم واستفد مما يقدمونه إليك وتواضع لهم ويا أيها المعلم اتق الله في عملك واحتسب الأجر من الله فمهنتك مهنة الأنبياء والرسل. عاطف عابدين