الصداقة لا تعني أبداً علاقة هامشية أو مجرد رفقة في بعض دروب الحياة.. إنها تعني وثاقاً معقوداً على الوفاء والإخلاص.. حيث يقف الصديق سنداً لصديقه في الضراء قبل السراء.. ويرخص كل غال في سبيل أن يسعد الصديق صديقه ويجعل حياته مليئة بالهناء وبعيدة عن المنغصات. الصداقة الحقة جسدتها صديقتان جمع بينهما انسجام تام وتآلف روحي عجيب، ضمهما الظرف المكاني فكانتا مضرب مثل كل من يعرفهما.. البعض غبطهما على متانة علاقتهما، وأخريات من غيظهن حقدن عليهما وحاولن التفريق بينهما بل وحبك المؤامرات ضدهما. صدق الإحساس بالصداقة كان السر وراء تماسك هذه العلاقة في وجه أعاصير الحياة.. فما يأتي من خارج جدران الصداقة لم يكن بقادر ابداً على التأثير في علاقة الصديقتين بأي شكل من الأشكال. أرادت إحدى القادمات من خارج الظرف المكاني لكنها عايشت الظرف الزماني أن تدخل بين الصديقتين لتقتطع نصيبها من صداقتهما، فقد طار النوم من عينيها وهي ترى العلاقة الوطيدة تغذي بنعيمها حياة هاتين الصديقتين.. لم تفكر أن تحذو حذوهما باختيار صديقة تشاطرها همومها وأفراحها واهتماماتها.. بل اختارت اختراق العلاقة الوطيدة والالتفاف عليها عن طريق احدى الصديقتين.. لكنها لم تفلح، فقد وقفت الصديقة مدافعة بشجاعة وثقة وإصرار عن صداقتها، ورفضت حتى مبدأ دخول أخريات إلى عالمهما.. وبعد انكشاف الأوراق باءت محاولة الاختراق بالفشل، وانسحبت القادمة من ساحة الصديقتين الخضراء. لقد تعلمتُ من تلك الصديقة الإخلاص القوي لمبدأ الصداقة.. فلقد كنتُ أراها رائعة في جمالها الروحي ووداعتها وشخصيتها.. لكنني اكتشفت أيضاً إخلاصها ووفاءها لصديقتها بحزم وإصرار دون توان. سألتُ بالأمس القمر وهو يؤانس أمسيتي.. هل تتنازل تلك الصديقة الوفية عن بعض صمتها وتجيبني إن كان بإمكاني الدخول في عالمهما الجميل؟ سكت القمر ونامت الإجابة.. لكن بقي المثال نابضاً بالحياة والإشراق.. والحيوية.