يحتويني العجب ويثيرني الانفعال ويستفزني الضيق حد الانفجار عندما يطلق فئام من الناس العنان لألسنتهم وإصدار الأحكام جزافا دون ترو أو منطق لأن في هذا ابعاداً للنجعة ومجانبة لجادة الصواب، ولكن رغم الأحكام المتعجلة والخالية من التثبت فلا بد مع تتابع الأيام أن تنقشع سحب الخداع وتتوارى غيوم الزيف، ولا بد لشمس الحقيقة أن تشرق وتبدد ظلام الدجل ولابد بأي حال من الأحوال أن يتسلل النور ليكون نذيراً بكشف ما كان مستوراً ويعري ما كانت تحوم حوله الظنون ويجرده على حقيقته.. في هذا العصر انتشر داء خطير وشر مستطير متمثلا في العلاقات النفعية والصداقات الوقتية والمعرفة الدنيوية الذاتية، فالقاسم المشترك فيما بينها ولو تعددت الاسماء هي المصلحة الدنيوية التي بها تدوم تلك المعرفة وتستمر العلاقة وباندثار وزوال تلك المصلحة أو المنفعة لأي سبب أو عائق كان فإنه وبشكل عجيب يبعث على الأسى تتغير الوجوه والطباع تسوء والعلاقات القائمة تبدأ تفتر شيئاً فشيئاً حتى تتلاشى مع الأيام وتنعدم، ولا أخال أحداً ينكر ذلك أو يشك في واقعيته فكل ما كان مبنياً على قاعدة هشة فحتما الزوال مصيره، وعلى ضوء ذلك فإن كل علاقة أو محبة أو معرفة بنيت على مصلحة دنيوية فمآلها الفشل الذريع، لأن هذه العلاقات البينية غالباً ظاهرها الإخاء والوئام ولكن الداء الوبيل أن داخلها يستشري الحقد وتنبت الكراهية ويطغى الاستغلال والأنانية وفي هذه الحالة نخطئ خطأ كبيراً عندما نقول صداقة لأننا بهذا الحكم نظلم الصداقة ونسلبها مصداقيتها ونزاهتها.. فالصداقة عندما تنشأ ويكون الحب في الله شعارها والايثار هو الأرض الميثاء التي تشيد عليه أركانها فإن النجاح حليفها والديمومة مآلها.. فالصديق الحق والمخلص هو من يشاطر صديقه الفرح ويواسيه عند الترح ويشاركه شظف العيش ويعينه على وعثاءالحياة ويبقي حبل الود والوصل ممدوداً مع اشتداد نوائب الدهر.. ولقد ابتلي المجتمع بكثير من الذين يدعون أنهم اصدقاء وأوفياء ولكنهم وللأسف الشديد عند أول نازلة وأول امتحان ينكشف الغطاء ويُعرف ما وراء الاكمة وتتساقط الأقنعة تباعاً وتعرف علاقة المظهر من صداقة الجوهر ويُعرف الصديق الصادق الوفي حقاً من سيئ الحسيكة.. فكثير من العلاقات الثنائية والصداقات المزعومة في وقتنا الحاضر ما هي إلا استغلال وبحث عن مصالح وغايات دنيوية.. فهل نحن أمام أزمة ثقة في حقيقة التواصل أم أمام أزمة صدق في التعامل.؟