قرأت بسرور ما كتبه الدكتور عبد العزيز بن ابراهيم العصيلي في عدد الجزيرة 10560 في 8/6/1422ه تعقيبا على ما كتبته في عدد الجزيرة 10554 حول «اكتساب اللغة الثانية وأثره على اللغة الاولى». ويبدو اننا «انا والدكتور - العصيلي» نتفق في امور منها: 1- ضرورة التركيز على تعليم اللغة العربية في الصفوف الاولية كونها لغة العلوم والمعارف التي تقدم للطالب منذ اول يوم في المدرسة. فلكي يستطيع الطالب فهم المواد الاخرى لابد له من معرفة المهارات اللغوية التي تمكنه من فهم النصوص والتفاعل معها. 2- نتفق ايضا على ان هناك آثارا سلبية للثنائية اللغوية المبكرة «اي تعلم لغة اجنبية في نفس الوقت التي يتم فيه تعلم اللغة الاولى العربية ،فالثنائية اللغوية المبكرة «اي تعلم لغتين في وقت واحد عند بداية تشكل النظام اللغوي لدى الطفل» قد تسبب آثارا نفسية وذهنية سيئة للطفل حسب رأي الخبراء، غير ان الدكتور العصيلي يرى ان هذه الآثار لا تقع الا في بيئة تكون اللغة الثانية فيها هي اللغة المستخدمة خارج اسوار المدرسة «أي كأن يتعلم الطفل العربي الانجليزية في الولاياتالمتحدة». اما هنا في المملكة فان الدكتور عبد العزيز تفضل بسرد 6 نقاط في مقاله تشير الى ان ضرر تعلم اللغة الانجليزية قد لا يكون له نفس الاثر السلبي على تعلم العربية كما اسلفنا. وهنا اود ان اشير الى نقطة المفارقة في هذا الموضوع، اذ كيف يتم تدريس اللغة الانجليزية في الصف الاول الابتدائي بينما لا تقدم مواد اللغة العربية «قواعد اللغة العربية» الا في الصف الرابع الابتدائي؟ هل الهدف من تدريس اللغة الانجليزية في الصف الاول هو زيادة فرص تشرب الطلاب لقواعد اللغة الانجليزية في هذه السن المبكرة؟ اذا كان الجواب «نعم» فلم لا نقدم تدريس قواعد اللغة العربية في الصف الاول الابتدائي كذلك؟ أليست العربية احق «ولو من ناحية تطبيقية بحتة، لأنها اللغة التي يتم من خلالها تدريس بقية المواد الاخرى: العلوم والرياضيات، والدين. دع عنك ما لها من اثر على حفظ الهوية الدينية والثقافية». انني اجد في ذلك مفارقة عجيبة حقا! ثم انني ادرك - كغيري من المختصين - ان تعلم «قواعد» لغة ما لا يعني امكانية اجادتها وقد اشرت في المقال السابق الى آراء المختصين في سني الطفولة المبكرة هي وظيفة اتصالية بحتة، اي ان الطفل يستخدم اللغة للاتصال مع من حوله: كي يلعب مع اقرانه، يعبر عن انفعالاته، عن غضبه عن سروره، عن حاجاته الحاضرة، دونما تفكير في الالتزام بالقواعد والمسلمات اللغوية. ومن هذا المنطلق فان تدريس «قواعد» اللغة الانجليزية «اذ اننا في المملكة ندرس قواعد اللغة، ومفرداتها وليس استخدامها، حيث لا نستطيع الزام الاطفال بالتحدث بها خارج الفصل الدراسي» لن يكون ذا جدوى. بل سيكون له اثر سلبي خطير لاحقا عندما يبدأ الطفل بتعلم قواعد اللغة العربية في الصف الرابع. فاذا تم تدريس قواعد اللغة الانجليزية للتلاميذ في الصف الاول الابتدائي، يبدأ النظام اللغوي لدى الاطفال بالتشكل وفقا لقواعد تلك اللغة «اللغة الانجليزية» وعندما يبدأون تعلم قواعد اللغة العربية في الصف الرابع سيكون هناك ما يعرف بالتداخل اللغوي «Interference» اي الخلط بين نظام قواعد اللغة العربية وقواعد اللغة الانجليزية وهناك العديد من النظريات التي تدعم ذلك مثل «Skinner» و«Vygatski» وآخرين. ان التداخل اللغوي عملية مؤكدة ومثبتة نظريا وتطبيقيا، فعندما يتعلم شخص لغة ما، سيحاول دمج قواعدها بقواعد اللغة التي تعلمها قبلها او معها، وعندئذ تحصل عملية التداخل اللغوي «Interference» المعروفة، وهذا مكمن الخطر. ولذلك آمل ان يعيد التربويون النظر في مثل هذه القرارات والعودة الى البحوث العميقة في هذا المجال، والاستفادة من برامج ونظريات التخطيط اللغوي المعمول بها في العديد من دول العالم. فالولاياتالمتحدة نفسها «بتعددياتها العرقية والدينية» حشدت كل الطاقات من اجل رفض قرار تعليم الاسبانية في المراحل الاولية في مدارس كالفورنيا عام 1994م. بل انها رفضت ايضا تغيير نظام قواعد اللغة الانجليزية ليتوافق مع طريقة المواطنين السود «Ebonice»وهم فئة كبيرة من الشعب الامريكي نفسه. كما آمل من الزملاء المتخصصين امثال الدكتور العصيلي بيان الآثار السلبية والتبعات الخطيرة لمثل هذه الامور. وفقنا الله جميعا لخدمة امتنا ولغتنا. والله من وراء القصد.. د .سعد بن هادي القحطاني