سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جيلنا اعتمد على سعدي ودرويش وجيل السبعينيات فضّل أدونيس بعد فوزه بالجائزة .. عماد غزالي يكتب الشعر على الكمبيوتر وليس على الورق:
موقف حجازي من قصيدة النثر غريب ولا يتفق مع بداياته!
يقف عماد غزالي على مشارف الأربعين، واستطاع مؤخراً أن ينال جائزة الدولة التشجيعية عن ديوانه الثالث: «فضاءات أخرى للطائر الضليل» ويبدو في هذا الديوان كأنه يودع غنائية الشباب بحثا عن أفق آخر.. أفق تكتمل فيه التجربة وينضج فيه الصوت الشعري.. قد يرى البعض أنه صوت متصالح مع أسلاف القصيدة ومع هموم العالم، بينما يراه البعض صوتاً لا يفتعل المعارك ولا يزعم الاختلاف والقطيعة لمجرد أن يكون تحت الضوء: * في رأيك، ما أهم ما يميز التجربة الشعرية للجيل الجديد؟ في رأيي أن أهم ما يميز الجيل الجديد هو محاولة تمثله لتجربة الجيل السابق عليه في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات أيضاً. محاولة الخروج من أزمة التجربة الشكلية نسبياً في شعر السبعينيات، المجاز العالي وفقدان التواصل مع القارئ، بشكل من الأشكال، حاول الشعراء الجدد منذ الثمانينيات أن يطرحوا قصيدة تمثلهم وأن يتواصلوا مع التجارب الموجودة على مستوى الوطن العربي، فمثلاً تجربة سعدي يوسف تمثل منطقة جذب كبيرة باتكائها، على التفاصيل الصغيرة، كذلك تجربة درويش بصوتها الغنائي العالي، هذان الصوتان هما منطقة الجذب الأساسية لجيلي في محاولة الخروج من أزمة القصيدة عند جيل السبعينيات. وجد جيلي ضالته في قصيدة النثر وحاول أن يطرح من خلالها تجاربه النثرية ونوعا من الاستبطان لتجاربه الذاتية والعميقة في صورة قصيدة بسيطة تتخلى عن المجاز الشعري المألوف وتستبدله باتخاذ نوع من المجاز البصري.. بقصيدة تتكىء على التفاصيل وليس على التجربة الصوفية التي اتكأ عليها السبعينيون وكان رائدهم في ذلك أدونيس بمعجمه المتعدد الدلالة. وأعتقد أن جيلنا مهتم بمتابعة أصوات قصيدة النثر على مستوى الوطن العربي: سعدى ووديع سعادة وعباس بيضون وغيرهم، وكذلك يهتم بأصوات الشعر العالمي لذات القصيدة. * وهل تختلف قصيدة النثر في مصر عنها في الشام أو الخليج؟ المتابعة موجودة للخريطة العربية عموماً، لكن أظن أن قصيدة النثر المصرية تحمل ملامح مصرية خالصة من خلال عملية الصهر واعادة التشكيل.. وهي تختلف عن قصيدة النثر في الشام التي تعد امتداداً لمجلة الشعر اللبنانية وما طرحته أواخر الخمسينيات والستينيات. * مؤخراً هاجم أحمد عبدالمعطي حجازي قصيدة النثر على صفحات الأهرام. ما تعليقك وأنت من شعراء هذه القصيدة؟ موقف حجازي غريب، لأنه في بداية حياته دافع عن التجديد وعن الشعر الحر ضد المعادين له. وأعتقد أن المفارقة تنبع من تصور حجازي لقصيدة النثر على اعتبار أنها تقضي على النموذج التفعيلي. وهي في الحقيقة تطور أو خط جديد يحاول أن يخلق قصيدة جديدة مازالت في طور التشكيل، ولا نستطيع أن نحكم اليوم على قصيدة النثر قبل أن تحظى بالذيوع والانتشار. فقصيدة النثر أمامها وقت طويل حتى تتضح ملامحها، ومعظم الأصوات الجديدة لم تصل إلى مرحلة النضج الابداعي، ولم تأخذ فرصتها كاملة، ثم، هل قصيدة الشعر التفعيلي على مدار خمسين سنة قدمت كل شيء؟ لا أظن، فهي مازالت قادرة على الاستمرار وتقديم ابداع حقيقي بعيدا عن النموذج المكرر، نفس الكلام ينطبق على القصيدة العمودية، فالمشكلة أولاً وأخيراً في الابداع ودرجة الشعرية وليس في الشكل. الإيقاع * وماذا عن اتهام قصيدة النثر بأنها تفتقد الايقاع؟! هي تفتقد الايقاع التفعيلي المعياري، لكنها لا تفتقد الايقاع بالمفهوم الواسع، كثير من قصائد النثر يمكن ألا نكتشف نثريتها بسهولة، لأن الشاعر الذي يبدع هذه القصيدة إذا كان على درجة عالية من الوعي فإنه يستطيع أن يخلق ايقاعاً بديلاً: داخلياً أو خارجيا، فايقاع قصيدة النثر يتعلق ببنيتها وبالصورة الشعرية والدوال والنسيج الشعري بوجه عام. * حتى الآن، تكتب قصيدة النثر.. هل تستطيع كشاعر أن تتمرد عليها كشكل وتبحث عن أشكال أخرى؟ كتبت في البدايات ا لأولى القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة.. ومازلت إلى الآن أكتب من وقت لآخر قصيدة التفعيلة لأنني أشعر أحياناً أنها تخلق افقاً من العلاقة المجازية باللغة والرغبة العميقة في التغني، فإذا ما شعرت بهذه الرغبة أكتب قصيدة التفعيلة. لكن يبقى لقصيدة النثر عالمها ومغامراتها وأفقها المفتوح الذي يشعر المبدع أنه أمام صراع حقيقي لأنه أمام بدائل لا نهائية للتعامل مع المعجم، للتعامل مع الصورة، هذا الشعور بالمغامرة يمنح المبدع فرصة خلق نماذج جيدة تتفوق على قصيدة التفعيلة. * هل هذا يعني أن شعريتك تتنفس عبر مسارين: قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة؟ إلى الآن يتنازعني هذان الشكلان، وإن كان البعض يرى ذلك خطأ كبيراً، لأنه طالما اتجه الشاعر إلى قصيدة النثر فيجب أن يخلص لها اخلاصاً كاملاً، باعتبارها التطور الحتمي، لا أرى ذلك وإن كنت أحس بابداعية قصيدة النثر واتذوقها جيداً، لكن في لحظة الابداع قد تفرض عليّ الكتابة شكلاً آخر. * ومن أين ينبع اهتمامك بقصيدة النثر دون غيرها؟ ينبع هذا الاتجاه منذ أوائل التسعينيات حين قمت بترجمة مختارات من الشعر الانجليزي، وشعرت بمدى ما تملكه هذه القصائد من شاعرية رغم افتقادها للايقاع، وحتى بعد ترجمتها، هذا أعطاني الاحساس بوجود الشعرية في السياق النثري، وجعلني أتواصل مع الشعر العالمي عند داريك ولكوت وتيديوس وريتسوس وغيرهم. * ولماذا يتغنى الجيل الجديد دائماً بكلمة «القطيعة» مع الأجيال السابقة؟ لا أستطيع أن أطرح اجابة عن هذا السؤال، وبالنسبة لي على مستوى شخصي لا أعيش هذه القطيعة وأرى أن الابداع تراكم وتواصل بين الأجيال.. وإذا كنت أختلف مع قصيدة أو نموذج فهذا لا ينفي الاستفادة مما اختلف معه أكثر من الاستفادة مما اتفق معه، وربما أستفيد من القصيدة الرديئة وغير المكتملة لأنها تضع يدي على ما بها من مشاكل، على حين نكتفي بالاعجاب بالقصائد المكتملة ونمر عليها مرور الكرام. الميديا * هل أثرت الميديا ووسائل التكنولوجيا الجديدة على المعجم الشعري والصورة لدى الجيل الجديد؟ بالتأكيد تعدد الوسائل جعل القراءة ليست المصدر الوحيد للمعرفة، وجعل الشعر مثقلاً بمعارف وعوالم كثيرة، مع طغيان الثقافة البصرية من خلال التلفزيون والكمبيوتر، وهذا ترك بصمة مهمة على جيلنا وعلى الأجيال الأخرى التي تواصل الابداع الآن. لأن الثقافة البصرية تجعل المبدع يتكئ في كتابته على ما هو بصري، وهذا اختلاف مهم، كما أن المجاز اللغوي لم يعد الطريقة المثلى للتعبير وإنما حل محله التصوير البصري الذي يعتمد على الحواس بشكل أساسي، فأنا كشاعر أعبر من خلال ما ترصده الحواس، في ظل انفجار معرفي يُشعر الشاعر بالضآلة وفقدان اليقين الذي يستطيع أن يقدمه كعارف لكل شيء، الجميع الآن يتلقون المعرفة التي يتلقاها الشاعر بنفس الطريقة، فماذا يقول الشاعر للآخرين؟ وأين خصوصيته؟ يستطيع فقط أن يقدم ما تلتقطه حواسه لتشكيل لحظة ابداعية. * وهل اعتمادك على الكتابة مباشرة على شاشة الكمبيوتر يختلف عن الكتابة على الورق؟ شاشة الكمبيوتر تقدم احساساً مختلفاً لا أستطيع تفسيره بالضبط، إنه احساس تشكيلي لأن ما يكتب يتجسد أمامي في نفس اللحظة على الشاشة.. ويحدث أحياناً أن يمر بي خاطر الشعر ولا أجد الكمبيوتر متاحاً لي في تلك اللحظة، فأضطر لتدوين بعض الملاحظات على الورق حتى تحين فرصة الجلوس إلى الكمبيوتر لأكتب القصيدة وأراها في نفس الوقت. * فوزك بجائزة الدولة التشجيعية منذ أيام، أثار حساسية البعض من زملائك.. ما تعليقك؟ اندهشت جداً لأني اعتقدت أن فوزي بالجائزة ليس فوزاً شخصياً ولكنه فوز لجيلي الذي أشاركه الحياة الابداعية منذ عشرين عاماً تقريباً، ولي مشاركات متعددة داخل وخارج مصر. كما ساهمت في انشاء واصدار مجلة ايقاعات التي قدمت عدداً من الأصوات المهمة حالياً. ربما هاجم البعض فوزي بالجائزة لأن تواصلي مع جيلي ليس بشكل كامل، ولأنني أميل إلى العزلة ولا تدافع عني شلة ثقافية بعينها، وهذا يجعلني بعيداً إلى حد ما.. لكنني لست بعيداً عن الكتابة!