من الأمراض المؤذية والمفرقة بين الأحباب والأصحاب مرض الحسد، والحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير، والحسد يعتبر من الأمراض النفسية الخطيرة التي قد تؤثر على المحسود. ولهذا أمرنا بالتعوذ والالتجاء إلى الله تعالى منه. قال الباري سبحانه وتعالى: «قل أعوذ برب الفلق. من شر ما خلق. ومن شر غاسق اذا وقب. ومن شر النفاثات في العقد. ومن شر حاسد اذا حسد». والبعض يخطئ في الفهم بين الحسد وبين الغبطة، فالحسد هو تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يحصل عليها، والغبطة عكس ذلك وهي أن يتمنى حصول النعمة التي فيها أي انسان دون أن يتمنى زوالها، لهذا فالغبطة من المباحات، والحسد من المحرمات. قال صلى الله عليه وسلم «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا..» والحديث وعن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمع في جوف عبد مؤمن غبار في سبيل الله وفيح جهنم، ولا يجتمع في جوف العبد الايمان والحسد». رواه ابن حبان في صحيحه وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار والصلاة نور والصيام جنة من النار» رواه ابن ماجه. قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: ليس في خصال الشر أعدل من الحسد يقتل الحاسد قبل أن يصل المحسود، قال الغزالي: أعلم أن الحسد من نتائج الحقد والحقد من نتائج الغضب فهو فرع من فروعه والغضب أصل أصله، وقال بعض السلف: أول خطيئة كانت هي الحسد، حسد إبليس آدم عليه السلام حتى منعه حسده من السجود له. قال الشاعر: كل العداوة ترجى إماتتها الا عداوة من عاداك من حسد والحسد من الصفات غير اللائقة بالمسلم التقي النقي وان من سمات المسلم الحق صفاء النفس من الغش والحسد ومن الغدر والضغينة. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل مثل حاله الأولي فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال اني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً فان رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت قال نعم قال أنس فكان عبد الله يحدث عنه معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه اذا تعارّ وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله غير أني لا أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أحقر عمله قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لك ثلاث مرات «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرات فأردت أن آوي اليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أرك عملت كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال هو ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله اياه. فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق» رواه الإمام أحمد. قال الغزالي رحمه الله للحسد المذموم مداخل كثيرة نجملها في سبعة أبواب هي: 1 العداوة والبغضاء: وهي أشد أسباب الحسد لأنه من آذاه شخص بسبب من الأسباب وخالفه في غرض بوجه من الوجوه أبغضه قلبه وغضب عليه ورسخ في نفسه الحقد. 2 التعزز: وهو أن يثقل عليه أن يرتفع عليه غيره فاذا أصاب بعض أمثاله ولاية أو علماً أو مالاً خاف أن يتكبر عليه وهو لا يطيق تكبره ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه وليس من غرضه أن يدفع كبره، فإنه رضي بمساواته مثلاً ولكن لا يرضى بالترفع عليه. 3 الكبر: وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره ويستخدمه ويتوقع من الانقياد له والمتابعة في أغراضه.. الى أن قال: ومن التكبر والتعزز كان حسد أكثر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى على لسانهم «لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم» إلخ. 4 التعجب: كما أخبر الله تعالى عن الأمم السالفة إذ قالوا «ما أنتم الا بشر مثلنا» «وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا»، فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من الله تعالى بشر مثلهم فحسدوهم وأحبوا زوال النبوة عنهم متعجبين كيف يفضل عليهم من هو مثلهم. ونسوا أن ذلك من فضل الله والله يؤتي فضله من يشاء. 6 الخوف من فوات المقصود: وهذا يختص بمتزاحمين على مقصود واحد فان كان واحد يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عوناً له في الانفراد بمقصوده، ومن أمثله ذلك تحاسد الضرّات في التزاحم على مقاصد الزوجية وتحاسد الإخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين للتوصل به الى مقاصد الكرامة والمال. 7 حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصل الى مقصود وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون اذا تغلب عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه وأحب موته أو زوال النعمة عنه، والسبب في ذلك حب الرياسة بدعوى الانفراد. 8 خبث النفس وشحها لعباد الله تعالى، فإنك تجد من لا يشتغل برياسة وتكبر ولا طلب مال اذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم الله به عليه يشق ذلك عليه، فهو أبداً يحب الادبار لغيره ويبخل بنعم الله على عباده كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته.. ثم قال رحمه الله في آخر مقاله: فهذه أسباب الحسد. وقد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد فيعظم فيه الحسد. قلت: «رحم الله الغزالي، فقد أجاد وأفاد في هذه الأسباب وخاصة السبب الثاني والأخير حيث إن أغلب الناس في هذا الزمان ممن ابتلوا بهذا الداء هم واحد من هذين الصنفين هدانا الله واياهم الى صراطه المستقيم وجنبنا الزيغ والزلل».