كلما أقبل عيد رمضاني وجدتني منجذبا الى الحديث عنه شعرا أو نثرا. وحين أبدأ الكتابة تتداعى الذكريات متتابعة كشريط الخيالة ، السينما كما يصفونه إذ أني لم أر شيئا من ذلك في حياتي والحمد لله. تبدأ ذكريات العيد متلاحقة من أيام الصبا حين كنت في تلك القرية الجميلة (العودة) وهي قائمة كالكوكب بين تلك المزارع على ضفاف وادي الفقي ، وقد باتت اطلالا هي أولى بالوقوف عليها من أطلال منازل ميّ صاحبة ذي الرمة، او اطلال صاحبة امرىء القيس أو سواهما من تلك الاطلال التي وقف عليها الشعراء واستوقفوا، وبكوا واستبكوا لأنها منازل أحبة رحلوا,. * أما أطلال العودة فهي أطلال مساجد ودور عمرت منذ قرون طوال، ثم أخنى عليها الذي أخنى على لبد، فلم يبق منها إلا هذه الذكريات التي تثير الشجن كلما خطرت، فأقف عليها خيالي مناجيا وشاكيا، وهيهات ان تبعث الشكوى رفات الماضيين، فقد باتت تلك الدور كالقبور، وقد كانت آجام أسود، ومكانس آرام كالبدر. مساجد ومعاهد ودور باتت أطلالا كقبور مريوان تلك المقبرة التي ثوى فيها كثيرون من اهل تلك البلدة التي كانت وبادت من الوجود، لكنها لم تبن من سويداء كل فؤاد فيها كان صباه ولا غرابة فحب تلك المرابع محفور في الافئدة كتلك التي يقول عنها ابن الرومي: وحبب أوطان الرجال إليهمُ مآرب قضّاها الشباب هنالكا ويقول الشيخ سليمان بن سحمان في مثلها: بلاد بها نيطت عليّ تمائمي وأول أرض مس جلدي ترابها ويقول الآخر: نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول ليس عجيبا اذن ان يتصل حنيني الى تلك الربوع التي كانت مرتع صباي، ولكن هل يحتمل المرء الوقوف بها بعدما باتت اثرا بعد عين. إني لأعجب كثيرا من هذه النفوس التي سخت بتلك المنازل فأسلمتها للهجر الذي افضى الى التداعي لُمت اطلال تثير الشجون وتريق الدموع من الشؤون، كأن لم تكن منازل اولئك الرجال الافاضل الذين صانوها عبر القرون الطوال حتى قال قائلهم: العودة أم سدير والمدن حولها . وقول الآخر: دار بها الاضياف ينسون دارهم من كثر ما يلقون من هبة الريح يعني الكرم، وهو ما عناه احدهم حين غادرها فالتفت اليها مشيرا بيده وهو يقول: مع السلام يالقدوع,, والعود الأزرق واللحم. أو قال: الشحم نسيت. وحكايات كرم أهل العودة اكثر من ان تحصر، وانما هو التمثيل, ومعذرة ان انا امللتك بهذا الحديث عن تلك البلدة التي عاشت في مكامن الحس والشعور ذكريات تتجدد مع تجدد الايام، وما اظنك إلا مثلي تعيش نوعا من الذكريات المرتبطة بالزمان والمكان وبالانسان. ذكريات تفد والهة، باسمة ضاحكة، او مستعبرة باكية تذكرني اشياء واشياء في كل مناسبة وبخاصة في ايام الاعياد فيتصل شريطها حتى هذه الايام باعثة الشؤون والشجون من مراقدها، فتستجيب لها المشاعر والاحساسات لتقذف اصداءها كلاما منثورا او منظوما على نحو من قول الحجي: يا عيد وافيت والأشجان مرخية سدولها ونعيم الروح مفقود أو قول أبوالطيب المتنبي: عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لآت فيك تجديد أو قول تأبط شراً : ياعيد مالك من شوق وايراق ومر طيف على الأبواب طرّاق أما أنا فقد قلت كثيرا، وما اخالني الا سوف أقول أكثر على نحو من قولي: ماذا عن الأمس حدث أيها العيد حدث فصمتك يخشاه المعاميد يا عيد أرهقني هذا الوجوم، أما في الأمر عندك انهاض وتجديد يا عيد كم من أحاديث مزخرفة طويتها وهي في سمعي زغاريد غنيتها في شبابي فرحة ولها من شيبتي ما به تحلو الأناشيد أبكي وأضحك فيها وهي ساخرة مني وقد لا يطيق الصمت محمود شط المزار به وانفض سامره وانقاض للبين مأمول وموعود كل المنى في سراب تاه طالبه فيه المأمل، واقلباه، مؤود فمن أناجي بأشواق مبعثرة اضنت عليها الليالي القرّح السود صفر اليدين انا منها وتتطلبني كيما تثير الشجى يحدوه تجديد الناس يا عيد والأفراح مدرجهم يسعون فيك وما فيهم مجاهيد كل يغني على ليلاه مبتهجا فأين ليلاي والأفراح يا عيد ليلاي يا عيد اشياخ نعمت بهم واخوةً صفوة حمس صناديد عشنا معا والمنى تزجي بنا، ولنا تزجي وصفو نعيم العيش مورود نروح عند انبثاق النور في فرح مثل العصافير شاقتها الأماليد لا الهم يثقلنا، او يستبد بنا وهنٌ فأيامنا بيض مساعيد وللشيبة منّا ما تطربها نصيبها من ليالي الأمس مجدود واليوم تاهت خطانا في مرابعنا لا العيد عيد ولا التغريد تغريد يا عيد جدد بنا آمالنا فينا وجد عليها تشكّي ناره القود لو أنها عقلت شيئا تجيش به صدورنا من هوى يزكيه مفقود لأرزمت وهي تستسقي مدامعها وبالصهيل أجابتها المجاريد وافيت يا عيد والأسماع في صمم عني واصداء ماضيّ الحب تنهيد نجترها ذكريات عز باعثها لو أنها أنصفت ما فاتها العيد فانضح بها نفحة من رندة عبقت يوما فأخفى حياءً عطره العود ما نورت رندة إلا وخف لها قلب يتيمِّه ما تهمس الغيد كأن للغيد ثأراً في نوائطه يطلبنه والشرايين الأخاديد يا عيد قد أرهقتني الذكريات فهل لديك ما ينفض الإرهاق يا عيد عشناك يا عيد أفراحا يزخرفها أنس المحبين أصلي وتقليد كل على سنن يزجي مودته حبل التواصل بين الناس ممدود واليوم كل وداد الناس تقليد كلامهم إن يحيوا فهو معدود مجاملون اذا حيوا، وان صدفوا فليس في ذاك إنكار وتنديد مستسلمون لما يرضون من خلق في القول والفعل، او يأتيك تهديد انت القديم إذا أنكرت سيرتهم وان تجاري فعصري ومحمود اواه يا عيد من قومي ومن زمن ذكراه وجد واجراض وتسهيد الهم يا عيد ما انفكت بوادره تترى وعزم بني الاسلام قعدود افراحنا فيك وهم ان نغازله فالروس تنئيه عنا فهو مصدود الروس والصرب والأوباش في حرم في القدس، والعزم عنهم بعد مصفود في كل ارض كلاب السوء لاعقة دماء إخواننا، قتل وتشريد وساسة الغرب إن ذيرت حمامتهم صاحوا، وقتل بني الاسلام محمود كل الكلاب هنا او هاهنا نزغ مصعودة الضغن تحدوها المكاييد ونحن نسعى بشكوانا لمجلسهم ورفضهم راصد، والجور عربيد ان انكر البعض فالتدليس باطنهم إذ كلهم من بني الاسلام مفؤود حرب علينا وما جئنا بواترة إلا ضياءً من الإسلام مشهود يخيفهم وهو ارشاد وتوعية ومنقذ من ضلال، فهو تسديد لو يعلمون لخفوا في مواكبه مستبشرين به، عدل وتوحيد إن حاربوه فقدماً فل جمعهمو وسوف يغنيهمو دحراً وتبديد