أخذت تكرر حوادث الاعتداء على المعلمين في مدارسنا وأصبحنا نسمع عن مثل ذلك بين الفينة والأخرى. وكل مانخشاه أن تزيد مثل هذه الحوادث لتشكل ظاهرة وعندها فعلاً تصبح كل مدرسة بحاجة إلى فريق أمني لحماية المعلمين عند الدخول والخروج وداخل أفنية المدرسة مع التركيز على الأزقة في المدرسة ذات المبنى المستأجر. وما أود أن أقوله في هذا الصدد أن مثل هذه الاعتداءات والحوادث لا بد أن تحصل في ظل النظام المعمول به ومثل هذه الأنظمة هيأت الطالب وأعطته من الجرأة والشجاعة ما يكفيه ليقدم على ذلك. ولن أستعرض هنا جميع الأنظمة الصادرة بهذا الخصوص ولكن فقط أود أن أدلل على هشاشة ما يخص التعامل مع سلوكيات الطلاب. فمثلاً نجد المادة رقم 44 في القواعد التنظيمية لمدارس التعليم العام تنص على أنه في حالة تطاول الطالب على معلمه يحال أمره إلى لجنة الحالات السلوكية الطارئه ثم تدرس الحالة ثم تتخذ ما تراه مناسباً ولا يصبح قرارها نافذاً إلا بعد أخذ موافقة مدير التعليم، ومع الاعتداء يبقى الطالب في مدرسته وفي فصله. ولك أن تتخيل إجراءات اجتماع اللجنة وقرارها مخاطبة الإدارة العامة للتعليم قد يستغرق ذلك وقتاً طويلاً. وكيف نتصور المعلم؟ هل هو آلة مجردة من الإحساس يعتدى عليه أو يوجه إليه كلمات نابية أو يتعرض للإهانة ويعود المعلم للفصل ثانية بعد ساعة أو نصف الساعة ليمارس الشرح منتظراً ذلك القرار الذي ربما يستغرق صدوره الشهر في بعض المناطق ثم ما قيمة العقوبة بعد هذا الوقت. ولك أن تتصور الموقف إذا ما تضمن القرار عبارة «يمكَّن الطالب من الدارسة». ونجد في المادة «55» «لا يمنع المتأخر في الحضور من دخول المدرسة ولا من دخول الفصل» وهذا إيحاء للطالب بالحضور متى شاء فلا يحق للمدرسة منعه من الدخول سواء حضر في الساعة الثامنة أو التاسعة أو حتى العاشرة وكأن المدرسة مؤسسة خاصة للطالب يدخلها متى ما أراد. ومن الطبيعي أن تتعطل الحصة الأولى على بعض المعلمين بسبب ذلك. وفي حالة تكرار تأخر الطالب يبحث سبب التأخر من قبل المرشد الطلابي واذا ما خلت المدرسة من مرشد فعلى البحث السلام. وأضيف أن إدارك الطالب أنه لا يمنع من الدخول جعله مثلاً يمارس التدخين صباحا أمام باب المدرسة وأمام المعلمين والإداريين وحتى إذا ما دق الجرس رمى بعقب سجارته بين أقدام المعلمين ثم دخل المدرسة ومع ذلك لا يمنع من دخول المدرسة ثم يتكرر المنظر عند الخروج. وحتى في الحالات الفردية، حيث يقوم طالب بالاعتداء على معلم بالضرب والضرب المبرح الذي يودعه السرير الأبيض وحتى في مثل هذه الحالات لم يصدر بحق الطالب القرار الذي يتناسب مع فداحه الحدث. فقد سمعنا مؤخراً بإصدار قرار يقضي بحرمان الطالب المعتدي من اختبارات الدور الأول والدور الثاني. وهذه العقوبة الصادرة بحق الطالب قد تكون تحصيل حاصل فإذا ما كان الطالب سيئاً دراسياً وهذا متوقع فالرسوب بالنسبة له نتيجة متوقعة وحرمانه من سنة دراسية تحصيل حاصل هذا معناه أن مثل هذا الطالب لم تقع عليه عقوبة وفي كلتا الحالتين عوقب أو لم يعاقب له حق الدراسة العام المقبل في نفس المدرسة وقد يكن مع المعلم نفسه. ونخلص من ذلك إلى أن بعض الطلاب أخذ يتدرج في سلوكياته غير المرغوب فيها ولم يجد الرادع من البداية حتى وصل به الأمر إلى الاستخفاف بالمعلم والمدرسة وبالتالي فالاعتداء على معلم لم يعد يثير الدهشة أو الغرابة. فالنظام ساعد على بروز هذه السلوكيات فلم يردعها ولم يضع الضوابط الكفيلة بوضع حد لها ولا نغفل هنا أن للأسرة دورها البارز والمهم، ولكن إذا ما تقاعست الأسرة عن القيام بواجباتها والتخلي عن مسؤولياتها وترك الطالب لأصدقاء السوء، إذا ما حصل هذا التقاعس، هل المعلم هو كبش الفداء؟ ليدفع ثمن هذا التقاعس والقصور من الأسرة وهل يكون الضحية؟ أليس من الواجب ان يتعهد النظام التربوي بحماية المعلم بأنظمة صارمة تتصدى لكل من أراد أن يمس مكانة المعلم أو الاستهانة به. وفي الختام أسأل: أي حديث بقي عن مكانة المعلم؟. فإننا نوشك أن نكبر عليها أربع تكبيرات ونوجه العزاء لأنفسنا كمعلمين فيها «ونسأل الله الصبر والسلوان».