الدكتور عبدالرحمن الفريح نائب رئيس نادي حائل الأدبي.. أكاديمي وناقد وباحث وشاعر مارس الشعر وكتابته لفترة طوية وقام بخوض تجربة الأكاديمي المتفردة بنزول ساحات المحاورة «شعر الرد» ومحاورة شعرائها. «مدارات شعبية» التقت الفريح فكان لنا معه هذا الحوار.. * كل ناقد أديب وليس كل أديب ناقداً.. فهل نستطيع إذاً القول إن الأدب يجب ان ينقاد لمعايير النقد ونظرياته العلمية؟.. أو بمعنى آخر: هل النقد يتبع الأدب أم الأدب هو الذي يتبع النقد؟ يجب ان نعرف أولاً ان الأدب وُجد قبل النقد.. الأدب يتولد عن موهبة وفطرة ويصقل بالتجربة والمران، أما النقد فهو المرحلة التالية التي تعالج ما هو مطروح ومتوفر من الأدب شعراً ونثراً. * النقد الأدبي والتنظير للأدب عموماً عملية معقدة، فكيف يمكن للمبدع ممارسة ابداعه بعيدا عن هذه النظريات والأطر النموذجية العلمية البحتة؟ المبدع مبدع بفطرته وبإنتاجه وليس من شأن المبدع إذا كان على درجة عالية من الإبداع والتمكن ولديه القدرة على إنتاج رفيع المستوى ان يأبه بما تقننه النظريات للإبداع. * أنت نائب رئيس نادي حائل الأدبي، إلا انه من الملاحظ قلة انشطة الأندية الأدبية لدينا في الشمال كحائل وتبوك مقارنة بغيرها من الأندية الأخرى في المملكة التي تعتبر اكثر نشاطا فلماذا..؟ وما هي الأنشطة الثقافية التي يقوم النادي بإعدادها والإشراف عليها؟ النادي الأدبي بمنطقة حائل ناد حديث النشأة قياسا بما سبقه من الأندية، ومع حداثة النادي فأستطيع القول بأنه خطا خطوات متميزة في تنفيذه البرامج الثقافية المتمثلة بعقد الندوات واقامة المحاضرات وإعداد الأمسيات، وبما قدمه للساحة العلمية الأدبية من مطبوعات لا تقف عند فن واحد من الفنون إذ ان النادي يؤمن بأهمية تعدد المشارب العلمية فقام بإصدار عدد من الكتب بالنقد الأدبي في الشعر وفي القصة والاجتماع يصل عددها الآن ما يقارب 15 كتابا. هذا إضافة إلى ملف دوري هو مجلة «رؤى» المتميزة بمضمونها الثقافي، وبإخراجها الرائع البديع وتنوع موضوعاتها باستحداث موقع له على شبكة «الإنترنت» هذا فضلاً عما يقدمه النادي في منتصف كل شهر في منتداه الثقافي الذي اطلق عليه مسمى «منتدى الحكمة»، ويحضر هذا المنتدى عدد لا بأس به من منسوبي النادي ومن غيرهم من هواة الأدب وعشاق الثقافة. * الفصحى والعامية.. هل مازالت تشكل هاجسا كبيرا وخطيرا بالنسبة لمثقفينا ومبدعينا؟ من وجهة نظري الخاصة ان قضية الفصحى والعامية قد أثير حولهما الكثير من الجدل الذي لا مبرر له. فالشعر العامي في جزيرة العرب قديما ذو فائدة علمية تتجلى في الدلالات اللغوية التي يجدها المعنيّون باللغة عندما يبحثون في أمر «اللهجات» وفي انحراف اللسان عن الفصحى، ودلالات تاريخية نجدها في هذا الشعر عندما يعمد الباحثون في التاريخ إلى توثيق الوقائع والأحداث، فيصبح الشعر العامي بذلك من المصادر التي تعين على معرفة الحوادث التاريخية في الزمان السابق. إذاً الافادة متحققة من هذا الشعر تاريخيا بحيث يستأنس الباحث بالشعر الذي يذكر الحوادث والوقائع التاريخية، والدلالات البلدانية للمهتمين بالجغرافيا، ومعرفة الديار والمنازل والموارد والمناهل والأودية والجبال فضلا عما يفيده هذا الشعر في معرفة العادات والتقاليد وهذه فائدة اجتماعية. أما الشعر العامي الآن فإن الشاعر الذي يلجأ إليه لا يقيم للغة «نحوا وصرفاً» أي وزن كما هو عليه حال شعراء العامية الآن في الوقت الحاضر، لكنه شاعر بالفطرة والموهبة، وله ان يعبر عن احاسيسه ومشاعره باللسان الذي ينطق به، وليس لنا ولا من حق أحد ان ينكر على شاعر موهوب ان يقول شعراً باللسان العامي الذي وُلد عليه طالما هو غير متمكن من النظم في الفصحى. وفي هذا الشعر العامي بقديمه وحديثه صور بلاغية وأخيلة كما في الشعر العربي الفصيح. والشاعر العامي في هذه البلاد هو حفيد الشاعر العربي القديم، يصف كما يصف، ويتأثر كما يتأثر، ويعالج الموضوعات التي يعالجها، ويبدع في رسم صور غاية في الاتقان والجودة، لا نفرق بينها وبين ما نقرأه في الشعر الفصيح القديم سوى انحراف اللسان، وإلا فهو موزون مقفى. ومهمة استقامة اللسان ليست مسؤولية هذا الشاعر الذي لا يجيد النظم في الفصحى لكنه كما قلت يقول شعراً موزونا مقفى. * اعتاد د. الفريح على المشاركة في «خيمة الجنادرية» كما جرت عليه العادة بين الشعراء والأدباء العرب والمثقفين الذين يرتادون هذه الخيمة في «فندق قصر الرياض». وقد حدثت محاورة شعرية بينك وبين الشاعر «حمود البغيلي» فهلاّ ذكرت لنا شيئاً عن ذلك؟ انا من راود هذه الخيمة الثقافية كما ذكرت يا أخ حمد وقد سعدت بلقاء نخبة من الشعراء والنقاد والأدباء والمؤرخين. وفكرة اقامة هذه الخيمة فكرة جيدة لاتاحة الالتقاء فيها بضيوف «مهرجان الجنادرية» بعد الندوات والمحاضرات المنتظمة ليدور الحوار والنقاش في هذه الخيمة بكل صراحة وموضوعية بين مرتاديها. وقد لمست ان من اهداف هذه الخيمة تشجيع المواهب الناشئة الجديدة على نظم الشعر والقائه ونقده. وكان لي شرف التعرف على عدد من الأدباء والمهتمين بالحركة الثقافية في هذه الخيمة ومن ذلك انني التقيت بالاخ الشاعر حمود البغيلي من شعراء دولة الكويت في مهرجان الجنادرية العام الماضي وكان لقاؤنا خلال محاورة شعرية لا أذكر منها شيئاً الآن لأنها كانت مرتجلة بيني وبين حمود في الخيمة. والمحاورة فن رفيع من فنون الأدب يعتمد على الرمزية والإيحاء والإيهام ولا يتأتى لأي شاعر ان يكون شاعر محاورة إذ انها فضلا عن الوزن والقافية تحتاج إلى حضور بديهة وقوة عارضة حتى يمكن للشاعر ان يعرف مرامي خصمه واهدافه. وانا ممن يميلون إلى شعر المحاورة وقد كان لي «محاورات» مع الشاعر الأستاذ الدكتور محمد مريسي الحارثي والشاعر عبدالرحمن الخويتم والشاعر فوزي الرشيدي والشاعر سعيد الأحمري وغيرهم.