تمهّلي يا شمس لا تغيبي رؤياك للقلوب قلادة الطرب تمهّلي فالسحب من سناك براقة تحاكي سبائك الذهب وكم طرب الناس مع «غازي علي» وهو يغني هذا الشعر في مناجاة الشمس كي لا تغرب.. فمن الغروب الغربة، وهي أقسى على النفس من كل شقوة، وليل يطول على العيون المسهدة بالوحشة، وعمى بحقائق كان يجليها النهار. جرب أن تطالع من فوق سفح الجبل، في لحظة ما قبل الغروب، ذاك الأفق اللامتناهي، الغافي في حضن سنابل «الأصيل» الذهبية، تتدلى من قرص الشمس وهي تتهيأ للرحيل، ويتداعى اللون الرمادي كأن جحافل جند بالنفير تتجمع، ويصاب الكون بالحزن حين ترمي الشمس بنفسها في أعماق البحر، بعد أن تشتد بها الحمى، ثم تظهر حمرة الخجل «شفقاً» على خد السماء كما هي على خد عذراء بوغتت في خدرها، ويفك الغروب ضفائر الليل الحالك، ينشرها على الكون الهاجع، وكأنه آمر يعزف نوبة لينام كل العسكر، وستار يقفل على آخر فصول مسرحية اسمها النهار. ويهجع الخلق الى مضاجعهم إلا الساهرين المسهدين فإنهم يشدون خيوط القمر، بلا كلل ولا ملل، كي يطلع على الكون فيؤنس وحدتهم، ويحمل رسالة شوق الى «الأمل» البعيد. فإذا انصاع القمر بعد طول العناد، واكتمل بقدرة الخالق بدراً، عندها تبدو صورة لها في الخاطر ذكرى ومعنى. والغروب الذي يجعل الدنيا ذات لون ليلكي ثم ضبابية غامضة يستر خلف ضبابه حكايات وحكايات.. وإنه إيذان بالظلام هنا، وبالنور هناك، فهو فجر وغروب معاً، قسمة العدل من رب العباد، ومنتهى رعاية الخالق أن داول النعمتين بين البلاد، فلم يجعل الليل عليهم سرمديا ولا النهار «وجلعنا الليل لباساً، والنهار معاشاً». وسبحان ربي أحسن كل شيء صنعا، وسخّر الكون كله في خدمة خلقه، وأمرهم بالتفكر في آيات الله في كونه ومنها اختلاف الليل والنهار، فإن كل ذي لب يدرك عظمة الخالق جل وعلا في تلك الآيات البينات. *وكيل إمارة منطقة عسير المساعد