من الموضوعات التي كتبتها في هذه الصحيفة الموقرة ووجدت تفاعلا واسعا موضوع «لا توقفوا هذه الصحف هذه المؤسسات» وقد أعادت نشر المقال والتنويه عنه أكثر من صحيفة، وتناول هذا الموضوع أكثر من كاتب وأشكرهم على ذلك التفاعل المخلص مع هذه القضية.. ومن بين من تفاعل مع الموضوع عبر سلسلة مقالات مميزة الأستاذ الفاضل عبدالفتاح أبومدين، رئيس النادي الأدبي بجدة.. حيث تعرض لكل نقطة في المقال، بالمباركة، أو التوضيح أو النقد.. وكذلك طرح زوايا وهموماً ومشاكل جديدة ربما كانت تغيب عني، بحكم عدم تواجدي داخل مجالس ادارات أو بين عضويات المؤسسات الصحافية.. وتحديدا غياب معلومات داخلية لكيفية حركة القرار وتجاذباته «الشللية» داخل المؤسسات. ويغلب على مقالات الأستاذ أبومدين التشاؤم الكبير الذي يحيط بتناوله للموضوع، وربما يعود ذلك الى المعاناة الحقيقية التي تعكسها تجارب عميقة له في الزمن والنوعية التي يمتلكها الأستاذ أبومدين، وهو أحد الشخصيات الريادية الذين لهم دور هام في وضع لبنات تأسيسية لبعض صحفنا ومجلاتنا.. والأستاذ أبومدين من القلائل الباقين - يحفظهم الله - الذين يملكون تجربة الريادة الصحافية والرؤية المهنية العالية.. وكتب تاريخ الصحافة التي ندرسها في أقسام الاعلام تشير الى تجربة ثرية للأستاذ أبومدين في عدد من الصحف والمجلات. وأخشى أن يكون طرح هذا الموضوع مجرد «كلام جرائد» ينتهي بدون أي نتيجة ايجابية، وتصبح هذه المقالات مجرد تنفيس يريح في اللحظة الحالية، ولكنه يموت مع مرور الوقت.. والذي أراه هو ان يتم تفعيل قضية المؤسسات الصحافية اليوم وغدا وبعد غد، الى ان يتم وضع حلول جذرية لها. فالمؤسسات الصحافية ليست مشروعات تجارية صرفة، بل انها استثمارات وطنية مهمة تصب في اطار بناء المعرفة ونشر الوعي وخدمة المجتمع والدولة.. ان الانسحاب الصامت أو عدم الخوض في هذه الموضوعات بحجة أنها مشروعات خاصة، ويملكها أفراد هي ليست حجة كافية لتبرير الوضع القائم. وما نتمناه من الأجهزة المعنية بالاعلام هو وضع المسألة في أجندة اهتماماتها التخطيطية والتنفيذية.. ولربما تحديدا، ان يتجه المجلس الأعلى للاعلام الى تكوين لجنة وطنية لدراسة أوضاع المؤسسات الصحافية في المملكة، وخصوصا المؤسسات «المتهالكة» التي تعاني من ضائقة مادية تعيق استمرارها أو تطويرها الى ما هو أفضل.. وفكرة اللجان الوطنية التي تعمل على دراسة وضع أو مشكلة معينة ليست جديدة، حيث تحرص كثير من المؤسسات الرسمية في عدد من الدول المتقدمة على تكوين لجان من اختصاصيين ومعنيين ومسؤولين في موضوع معين لدراسة مشكلة وذلك من خلال جمع الحقائق الضرورية واستيضاح جوهر الظاهرة ووضع تصورات وحلول وخيارات أمام اتخاذ القرار الرسمي. وفي اطار التفكير في هذا المجال، نعلم ان مجلس الوزراء قبل حوالي أربعين عاما شكل من بينه لجنة لدراسة أوضاع الصحافة السعودية «ما كان يعرف في حينه بصحافة الأفراد» وذلك من ثلاثة وزراء، هم وزير الاعلام «الشيخ جميل الحجيلان» ووزير البترول والثروة المعدنية «الشيخ أحمد زكي يماني» ووزير الزراعة «الشيخ ابراهيم السويل يرحمه الله».. ودرست اللجنة المشاكل التي كانت تعاني منها الصحافة والمشاكل التي كانت تعيق عملية التطوير النوعي للصحافة.. ووصلت اللجنة الى خيارين رئيسين، أحدهما هو الذي تم تبنيه من قبل مجلس الوزراء وأثمر اصدار نظام المؤسسات الصحافية المعمول به الى هذا اليوم.. وليس بالضرورة ان تكون اللجنة وزارية، كما كانت اللجنة المشار اليها، ولكن المهم هو ان تتكون لجنة ممثلة لمختلف الجهات والمؤسسات المعنية لجمع الحقائق ودراسة الأوضاع وتحديد الخيارات المتاحة ورفعها الى المجلس الأعلى للاعلام حتى يمكن ان يصدر توصياته المناسبة لاقرارها من قبل الجهات التنفيذية المناسبة.