ما أروع أن يرسم الزوجان معا حدود حياتهما الخاصةويلونا تفصيلاتها باتفاقهما وبدون تدخل من أحد! ما أروع أن يحيطا حياتهما بشيء من الخصوصية فلا يسمحان لأي شخص أن يتطفل على أسرارهما بدروسه «الخصوصية» الموغلة في الدهاء أو الضاربة في أعماق الغباء!! لأنهما إن فعلا ذلك فقد هتكا حجاب أسرارهما وأفسدا حياتهما.. وهو ما نراه حقيقة على أرض الواقع، فكم من زوجة أرخت أذنيها لتوصيات صويحباتها لكي تثبت وجودها وحضورها في حياة زوجها، وكم من زوج راح يستنجد بأصدقائه ليمدوه بأصول الشخصية المفترضة للزوج الحازم القوي!! ولم يدر صاحبانا بأنهما قد ضلا السبيل عندما تركا التعامل مع بعضهما على السجية والطبيعة وما يمليه العقل والحكمة وذهبا يلتمسان ما ضيعاه عند الأهل والأصحاب الذين سيحركونهما كما الدمى في مسرح العرائس! فهناك في مجالس الرجال واستراحاتهم يقال للزوج: أيها المسكين.. ألا تعلم ان الزوجة لا ينبغي أن تترك على هواها؟! لأنك ان فعلت )ركبتك( وصارت تملي أوامرها عليك !! افرض عليها زيارة واحدة في الأسبوع لأهلها وإن استطعت تقليصها فافعل، فإن سألتك عن سبب ذلك فقل لها )مزاجي(! وعليك الرضوخ لما يمليه مزاجي لأني الرجل وأنت المرأة!! وثمة في مجالس النساء يدور العكس تماما إذ نراهن يحدثن زوجة صاحبنا بكلام مماثل ولكن يختلف فيه الإسناد!! إذ يقلن لها: المفروض أن تزوري أهلك مرتين أو ثلاث كل أسبوع، أليس لك كلمة عليه؟! أليس لك شخصية ووجود؟! كيف تسمحين له بأن يختزل زياراتك لأهلك؟! يالك من زوجة بلهاء مغفلة!!. وتصدق صاحبتنا.. ويصدق صاحبنا وينفذان.. فلا تسألوا عن المصادمات عند لقائهما بعد عمليات الشحن الانفعالي والسلوكي من قبل الأصحاب والمعارف!! يا للمسكين ويا للمسكينة.. ضيعا أروع وأحلى لحظات الوئام واللقاء بترهات الأهل والأصدقاء!! والأدهى من ذلك أن آثار تلك التوصيات لا تقتصر على لحظات لقائهما الآنية بل تمتد لتعكر صفو حياتهما جملة وتفصيلا، فنرى الزوج المنفذ لتوصيات أصحابه ينتهج الغلظة والجفاء في تعامله مع زوجته، ويسقيها التسلط كأسا دهاقا حتى الثمالة، لأنه يظن أنه من دون التسلط أقل رجولة أو أنه لا يمكن أن يملأ عينيها وعيون من حوله إلا به!! فيعوض بتسلطه إحساسه بالنقص والدونية والتبعية للآخرين. أما الزوجة فهي بين خيارات أحلاها مر كالعلقم إن لم يكن أشد وأعظم، وذلك لأنها إن قاومت تسلط زوجها بتسلط مثله كما تقتضي قوانين «الفعل ورد الفعل» اتهمها بأنها مسترجلة لا تعرف الأنوثة ولا الرقة والنعومة، وإن هي خضعت لتسلطه وركنت الى طبيعتها المسالمة كما تقتضي قوانين «التكامل» زهد فيها وبحث عن أخرى تحمل شخصية قوية تدافع عن حقوقها، ولذلك قيل:«بين الحقوق والعقوق.. امرأة ضعيفة»!! وإن هي تشاغلت عنه بحياتها لئلا تدمر عشها بيديها اتهمها بالبرود والجمود والتبلد وعدم الإحساس! ولعل هذا التباين في أحكام الرجل تؤكده لنا تلك الحقيقة التي أشار إليها حكيم بقوله:«إن بين العدل والظلم في معاملة النساء وجهة نظر «عمياء» لرجال مبصرين»!! هذا عن الزوج المتسلط، فماذا عن الزوجة المتسلطة؟! إنها إن رأت من زوجها تسلطا مماثلا لم يجتمعا إلا على معارك قد تنتهي بالشقاق أو الطلاق والفراق! وإن خضع لتسلطها رأته ضعيفا من صنف «أشباه الرجال ولا رجال»! وإن تشاغل عنها أصيبت بارتفاع في ضغط الدم وبتصلب الشرايين والذبحة الصدرية.. وأخيرا السكتة القلبية!! فهل يمكن أن نطلق على حياة أولئك مسمى «حياة»؟! همٌّ وكدر، وثأر وانتقام، وعيشة تفتقد أبجديات الحب والتفاهم والوئام.. إن تلك الحياة بأكدارها صنيعة المعارف والأصحاب ذوي التفكير الفج الذين يفسدون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.. إنها وليدة الإصغاء لذوي العقول الضحلة المتحجرة التي لم تفهم معاني الحياة الزوجية وتسبر أعماقها، ولم تدرك أسرارها وأبعادها كما يجب وينبغي. وفي النهاية أقول خاتمة: لقد كان هذا الموضوع لأبين من خلاله لكل زوجين ما يتحتم عليهما فهمه واستيعابه بمجرد ولوجهما عالم الزوجية، ألا وهو السمو بمستوى التفكير عن ترهات قوة الشخصية وفرض السلطة على شريك الحياة. فالحياة ليست حلبة صراع وعراك وإنما شراكة يسودها الحب والألفة والتفاهم والوئام.. وما مثل الزوجين قبل الزواج إلا كجد ولين لكل واحد منهما خصائصه ومميزاته، إذ للرجل صفات معينة وللمرأة طباع محددة ثم يلتقي الجدولان بالزواج فيكونان نهرا عذبا تشترك فيه الصفات وتذوب الفوارق، فكل يسعى للحفاظ على هذا النهر ويحرص على تدفقه الدائم الذي يزامنه تدفق في المشاعر تعقبه السعادة الغامرة لكلا الزوجين. كما ينبغي البعد نهائيا عن إعطاء الغير مفاتيح الأسرار الخاصة.. لأن من يفعل ذلك فكأنما يتهم عقله بالقصور، لذا يلتمس الكمال عند غيره!! كذلك ينبغي التزود بزاد ثقافي يؤهل الإنسان لأن يكون خصيم نفسه لا أسير هواه.. ويبقى أن ينأى الإنسان بشخصيته عن التضاريس الوعرة التي تبغِّض فيه شريك حياته، كما يجب عليه كلما هم بتطبيق وصية من الوصايا في سلوكه أن يتخيلها مطبقة عليه من قبل الطرف الآخر فينظر في مدى تقبله لها، وعلى ضوء شعوره يكون سلوكه. أخيرا ينبغي لكل زوجين ان يطبقا القاعدة القائلة:«لا تكن صلبا فتكسر ولا لينا فتقصر»، وذلك لأن )كلا طرفي قصد الأمور ذميم(!! أما ذلك الانسان التابع الذي لا يعرف الاعتداد بالشخصية، ذلك الذي يتم ضعف عقله في الرأي بقوة عناده فيه ليجعل له ثبات الحقيقة، ذلك الذي لا سناد لرأيه، ولا تثبيت لحجته إلا رأي فلان وقول فلان فلن يجني غير المرارة في حياته. إضاءة: قال حسن آل الشيخ:«إذا كنت قادراً على قول )نعم( فلا تقل )لا(، وإذا كنت محتاجا إلى قول )لا( فلا تقل )نعم(!!