قالها سالم بكل صراحة ودون خجل.. جهزت الكفيل الغارم يا حسن، وجبت لي خطاباً من أمين الصندوق عندكم بالموافقة على الخصم من الراتب كل شهر وعرفت قبل ان تكتب أي شيء ان العشر بخمسة عشر، وشهودك اللي معك مصورين بطايقهم وإلا لا. وبكل برود يرد حسن: كل ما تريده جاهز فأنا في وضع لا يمكنني من المساومة والاختيار، قالها بينه وبين نفسه. ثم أردف في همس شديد هذا ما يريده عمي. ولم يعجب سالم «...» صمت حسن فصرخ في وجهه مرة أخرى هل تعرف ما هي طلباتي أم ان انك واحد منهم ما دمت محتاجاً تطأطئ رأسك وإذا اخذت ما تريد لعبت بذيلك. انا سالم معروف بأنني احصل على حقي بكل الوسائل ولا اتساهل مع المحتالين والمتخاذلين فهل عرفت من سوف تتعامل معه؟!. تأخير قسط واحد قد يذهب بك إلى السجن. وأنت يا؟ من هو كفيلك.. ولازم يعرف انه مسؤول عن التسديد مثله مثلك. انه صديقي وزميلي في العمل أحمد. ولكن هل مرتبه أكثر من مرتبك أو أقل. تدري ما يهمني ذلك طالما المشوار واحد إن لم نجد خروفاً أصبنا تيساً. وكان حسن يسمع كلام سالم ويتقزز منه ولكنه محتاج إليه محتاج إلى المبلغ الذي سيعطيه له ليطير إلى عمه فيقدمه مهراً لابنته. خلاص نبدأ نكتب والا عندك حل ثان. اكتب يا.. سالم اكتب على ظهري. اكتب على ظهري. والله اللي يعين. انا عارف اني ابا اكتب على ظهرك. ولكن لا تلقيني ظهرك بعدين تراي ما انا بسهل. خذ وقع والا تبي تقرا وش مكتوب. يهمهم حسن وهو يوقع على السند دون ان يقرأ عبارة واحدة منه فكل همه الحصول على المبلغ. المهم السرعة وبعد الحصول على المطلوب يحلها الحلال. يا ولدي ما يكفي التوقيع ابصم غط بهامك في هالازرق وابصم على السند وخل الكفيل يسوي مثلك. ولا ينسون الشهود التوقيع والبصمة يا الله نتوثق منكم وعسانا نسلم. خذ يا أحمد وقع وخل محمد وعلي يوقعان تراي ابا انفجر من كلامه ولولا اللي انت خابر كان مزقت الورقة وقمنا. ايه هالحين يحق لك تقبض الفلوس. عد دراهمك. ثمانية عشر الف ومائتين ريال. ولا تنسى من اليوم برمج ونظم ميزانيتك حتى تستطيع تسدد القسط أولاً بأول. بس انا اتفقت معك على عشرين ألف. كيف نقص المبلغ. يا ولدي انت تبي حلال والا حرام. النقص سببه أن فرد الخام بعناها على «أبو صالح» بها المبلغ. صحيح ان ثمنها عشرين ألف. لكن من يرضى بدفع القيمة كاملة كل يقول وش مصلحتي اذا أخذتها بسعرها. وبعدين اذا بغى يبيعها من يكسبه فيها. اذا كان عندك مشتري بسعر أحسن الله يربحه. الله يعين على تكملة المبلغ. واللي يحتاج لكم يا اهل الجفرة الله يعينه على غثاكم وبلاويكم الزرقا. ما علينا يا ولدي قل اللي تبي متعودين هالكلام منك ومن غيرك المهم هاالشهر ما بقى فيه إلا عشرة أيام نبي نسامحك من القسط لكن الأشهر الجاية ما ابي يجي يوم 28 من الشهر إلا وفلوسي عندي إذا كنت تريد تبق سمعتك في عملك زينة. وما إن وضع حسن المبلغ في جيبه حتى طارت به الأفكار وحلق في عالم الخيال وبات ينتظر المساء بفارغ الصبر. لم يبق بينه وبين تحقيق حلمه إلا ساعات قليلة. لن يجد عمي حجة جديدة ليماطل في زواجي من سلمى التي انتظرتها طوال هذه السنين. ورفضت من اجلها العديد من البنات التي اختارتهم لي أمي. هل اذهب إلى عمي في متجره ربما اجد لديه اناساً كثيرين ومادام دوامه المسائي ينتهي قبل المغرب فلعل ذهابي له في البيت يكون أفضل. تدبر حسن بقية المبلغ من النقود التي كان قد وفرها من مرتبه للطوارئ ولدفع أجرة السكن التي تحل كل ستة أشهر. وذهب لمنزل عمه والفرحة تغمر وجهه. وفي الطريق استعاد كلمات امه وهي تودعه. وتدعو له. وفي نفس الوقت تحذره من ألاعيب عمه وطمعه فهي تعرفه جيداً وتعرف ما سبق وان اقدم عليه من جحدان للكثير من حقوقهم خاصة بعد ان توفي زوجها وكان ابنها حسن صغيرا. كانت تُخفي عن حسن الكثير مما فعله عمه. ولكنها اليوم كشفت له كل شيء ليعرف الحقيقة ويلزم جانب الحذر. حتى محاولات عمه المتكررة بالزواج منها بعد وفاة والده والتي اخفتها عن حسن باحت بها اليوم وهي تحاول ان تثني عزمه عن الذهاب لعمه. لا كرها في مصاهرته فامرأة عمه وبنت عمه كانتا يعاملانها معاملة طيبة ويحبان ابن عمهما ويحترمانه ولكن ليس في قدرتهما الوقوف أمام العم متروك وجشعه وحبه للمال دون غيره. كاد حسن ان يعود إلى أمه من منتصف الطريق. ولكن حبه لسلمى وتعلقه بها امده بمزيد من الاصرار على الإقدام على خطبتها. خاصة وان المبلغ الذي دبره لعمه يعتبر كافياً في نظره كمهر وان عمه لن يجد حجة لرفضه. فتح العم متروك الباب فدخل حسن بسرعة وهو يلوح لعمه بالصرة التي يحملها. اسرع العم باللحاق به قبل الدخول إلى المجلس وفاجأه بقوله: ألا تؤجل هذه الزيارة إلى وقت آخر فلدي ضيوف لا أرغب ان يعرفوا عن مواضيعنا أي شيء. لم يتوقف حسن عن الدخول فليس لديه وقت للانتظار وأثناء دخوله طرق سمعه الكثير من الكلمات الغريبة. انه جشع. وطماع. وآخر يقول: اللي يبي يتمتع يدفع. وما ان اصبح داخل الغرفة حتى توقف الجميع عن الحديث ليردوا عليه التحية وعمه يلهث وراءه لسبب لا يعرفه. حرص متروك على تغيير مجرى الحديث منذ دخول حسن فأخذ يتكلم عن تذبذب الأسعار وارتفاع سعر بعض السلع الاستهلاكية مثل السكر والرز. وصدرت بعض الآراء التي تؤيده وتعزو ذلك إلى الحروب والقلاقل التي تحدث هنا أو هناك. تفحص حسن وجوه القوم فلم تسعفه خبرته بمعرفة أي منهم خاصة وانهم في سن مقارب لسن عمه ولا أحد منهم يسكن قريباً في حيه.. تململ حسن وهو منزو في أحد أركان المجلس وجعل يشاغل نفسه وينتظر خروج الضيوف. ولكن انتظاره طال وأخذت الأفكار تلعب به يميناً وشمالاً وتأخذه كل مأخذ. خرج العم متروك إلى الساحة الداخلية وسط منزله وسمع حسن زوجة عمه وهي توبخه وتقول له: حرام عليك هذا ظلم. الله سيحاسبك ودخل ومعه ابريق شاي وبعض الفناجين وقال لحسن: خذ صب الشاي إذا كنت ناوي تتقهوى معنا، والا يا ولدي اذهب للبيت اخاف الوالدة تسأل ليش تأخرت. شعر حسن برغبة عمه في افساح المجال له للحديث مع ضيوفه فقام وعند عتبة الخروج قال لعمه: هل اعود غداً لاقابلك في الدكان صباحاً. فأظهر العم ابتسامة صفراء وهو يرد على ابن اخيه ويقول: وهل طارت الدنيا تترك عملك وانت الحريص على الدوام دائماً لتأتي لي. اجِّل هذا الموضوع يوماً او يومين وسوف ادعوك بنفسي في الوقت المناسب. لم يشأ حسن ان يخبر امه بما دار مع عمه من حوار وما وجده لديه من صدود ولكنه ما ان هوى إلى فراشه حتى تدافعت الصور أمام ناظريه من جديد. مواقف عمه المرتبكة. كلام زوجة عمه وهي تناوله ابريق الشاي، صور الضيوف واحاديثهم عند دخوله عليهم. ثم تحذيرات أمه له من خداع ومكر عمه. حاول ان يبعد عن مخيلته اي تصورات تؤدي إلى فشل مهمته استعرض الضيوف. كلهم كبار السن ولن تكون مهمتهم الزواج من ابنة عمه لكنه عاد يسترجع الكلمات التي كانوا يرددونها أثناء دخوله. وعتاب زوجة عمه له فبدأت الشكوك تعود من جديد ربما يخطبون ابنته لأحد أولادهم. ربما وربما ولكن ماذا يهمني من امرهم حتى لو خطبوها فلن ترضى بغيري زوجاً فأنا ابن عمها وابادلها المحبة والاحترام وأمها ستكون في صفي. حاول النوم مرة اخرى ولكنه لم يستطع إذ بدأت الهواجس تدور في رأسه من جديد. وكلما حاول طرد واحد منها تداعى له هاجس آخر. بقي يتململ في فراشه ويكثر من بعض الأذكار ويردد بعض ما حفظه من قصار السور حتى سمع المؤذن ينادي: الله اكبر. قام من فراشه وتوضأ وصلى الوتر واكثر من دعاء ربه وهو يقنت وأسلم امره لله الذي يعلم السر وأخفى. ثم جلس في مصلاه حتى سمع المؤذن يقول. الصلاة خير من النوم، فتوجه للمسجد القريب من منزله ليؤدي صلاة الصبح جماعة كما هي عادته ولله الحمد. حاول ان ينام قليلاً بعد صلاة الفجر لكيلا يشعر بالارهاق في عمله ولكنه لم يستطع ذلك.. مما جعل زملاءه في العمل يلحظون الارهاق البادي عليه. ولكنه كعادته لم يتوان في تأدية ما هو مطلوب منه على الوجه الأكمل. لم يحاول احمد الاستفسار عما تم في الموضوع فقد لمس عند حسن شروداً واضحاً ينبئ على ان المهمة لم تتم فلم يشأ احراجه بل تريث لعله يفتح قلبه كما هي عادته ليتناقش معه ويهون الامور عليه. بقي حسن محافظاً على مظهره العام ومحاولاً افتعال المواقف المضحكة لكي يبعد عن زملائه الشك في فشل مهمته. واخذ يقنع نفسه من جديد بأن عمه وان كان لم يلتفت لصرة المال التي كان يحملها وهو مستعد لخطف عدة قروش من أي زبون أمامه.. وكذلك تسويفه لموعد اللقاء معه. كل هذه لا تكفي للحكم على ان العم قرر الحنث بوعده وان ما شاهده من أحداث تعبر عن الفصل الأخير من مأساته. لم يستطع اخفاء شعوره عن والدته وهي تحاول حثه على تناول طعام الغداء ولكنه بقي متماسكاً وكأنه يريد ان يصل إلى معرفة ما يدور بخلد عمه من أشياء قد يصعب عليه وعلى غيره التنبؤ بها. طمأنت الأم من روع ابنها ولم تشأ تقليب مواجعه إذ وجدته في وضع لا يحتمل التأنيب. بل حاولت ان تجد أعذاراً واهية تبرر فيه موقف عمه مع يقينها بعدم صحة ما ذهبت إليه. وما ان شارفت الشمس على الغروب حتى حمل صرته وذهب للمسجد القريب من منزل عمه ليؤدي صلاة المغرب هناك. ويذهب بعدها لعمه لينهي الموضوع بأي صفة كان فلم يعد يتحمل الصبر والانتظار. لم يشاهد عمه في جماعة المسجد فتلمس له العذر في التأخر ودق جرس الباب ليسمع صوت امرأة عمه تسأل عن الطارق. ولما علمت انه حسن قالت له: ادرك عمك فسوف يقدم على ما نكره جميعاً. فقد صمم على ان يزوج سلمى لمتروس. ولكن يا خالتي من هو متروس هذا الذي لم نسمع باسمه من قبل؟! انه يا ولدي احد الرجال الذين كانوا عند عمك البارحة ولكن يا خالتي كل الوجوه التي رأيتها البارحة عنده في سنه أو اكبر منه. ألا تعرف عمك يا حسن لقد أعماه الطمع. اغروه بالمال والعقار والسيارات حتى لم يعد يفكر في أي عواقب قد تنتج عن هذا الزواج لو تم. ولكن يا خالتي ما هي الحيلة التي بيدي. هل تريدين ان أقدم على أمر شر. معاذ الله يا ولدي فما عرفنا عنك إلا كل خير ونحن مثلك لا نريد لأحد مكروهاً. ولكننا نريد ان نوقف هذه المهزلة التي صمم عمك على تنفيذها. ولكن ما هو رأي سلمى هل وافقت على الزواج. يا بني وهل كان لي ولسلمى في يوم من الأيام رأي حتى نوافق أو نرفض. ولكن اين عمي الآن. لأحاول التفاهم معه وثنيه عما يريد الإقدام عليه. لقد ذهب مع بعض الرجال الذين كانوا عنده بالأمس لإجراء بعض الأمور وترتيب موضوع الزواج. ماذا ماذا وهل فعلاً وافق لهم وقرر تزويجهم سلمى؟!. هذا هو رأي عمك الأخير وقد أقسم لنا بغليظ الأيمان ان لو تدخل احد منا لافشال الزواج ليفعلن به الأفاعيل. هذا ظلم يا خالتي وشي يجب منعه طالما ان سلمى ترفض ومهما كنا ضعفاء أمام عمي فلابد ان نشد أزر بعض ونقف جميعاً لمنع هذا الأمر مهما كلفنا ذلك من متاعب. لقد أخذنا الحديث يا ولدي ولم نقل لك تفضل ونعزم عليك بفنجان من الشاي أو القهوة. مشكورة يا خالتي فأفضالك عليّ سابقة ولم يبق وقت طويل على اذان العشاء. سأعود للمسجد فلعل عمي يرجع بعد صلاة العشاء وأتمكن من مقابلته. أعانك الله يا حسن ولكن خذ بالك من ألاعيب عمك هداه الله فمن السهل التغرير بك والزعم بأن الموضوع لم يتم فيه شيء ثم إذا أنهى أموره قال: لم يعد بيدي شيء أفعله لك. عاد حسن بعد صلاة العشاء وجلس بجانب منزل عمه ينتظر قدومه وطال الجلوس فأخذ يزرع الشارع ذهاباً واياباً وأصبحت الدقائق عنده كأنها ساعات. ما الذي أخّر عمي لهذه الساعة من الليل وهو الذي لا يسهر خارج منزله بعد صلاة العشاء. لقد نفد صبره وأخذ النعاس يداعب عينيه ولكنه مصمم على الجلوس حتى عودة عمه ولو تأخر للفجر، وفي غمرة أفكاره وهواجسه المتشعبة رأى خيال عمه يقدم من بعيد فعدل في وقته واستعد للقائه ومصافحته. لكنه لمح رجلين يسيران وراءه يحملان معهما بعض الأشياء التي لم يتبينها. مما أوجد لديه بعض الضيق والارباك معاً. رحب بعمه وقبّل رأسه كعادته. ولكن عمه لم يمهله ليقول أي شيء إذ بادر قائلاً: ما الذي جعلك تنتظر حتى هذا الوقت المتأخر من الليل. وهل تظن ان مثل هذه الساعة مناسبة للحديث انت لديك عمل حكومي. وانا لدي متجري وكل منا مطالب بالحضور مبكرا فاذهب لمنزلك وأنا على وعدي السابق. سوف اتصل بك لتأتي إلي في الدكان أو المنزل ولدي أنباء مفرحة سأخبرك بها في حينه. ولكن يا عمي. قالها حسن. ولكن عمه لم يدعه يكمل. اذهب الآن فقد حان موعد النوم. لكن يا عمي ليس في استطاعتي. ومرة اخرى لم يدعه يكمل حديثه إذ رد عليه. انتم يا ها الشباب لا تعرفون مصلحة انفسكم وتظنون ان هذه النعمة ستدوم لكم ولو مسكم ما مسنا في الزمان الماضي لعرفتم قيمة المال. يا عمي انت تتحدث عن أمور غير ما أريد ان احدثك فيه فهل تسمح لي بدقائق ادخل عندك لأبين لك وجهة نظري. لقد قلت لك يا ولدي غداً او بعد غد سأسمح لك بالجلوس معي والتحدث ساعات وليس دقائق. فتوكل على الله واذهب إلى أمك وبلغها سلامي فأنا منذ فترة لم اسمع عن أخبارها شيئا. ولكن يا عمي ألا تأخذ هذه الصرة فتضعها عندك فإنني اخاف ان افقدها وانا كما تعلم بذلت شتى الحيل لتدبير ما بداخلها. صدرت من العم ضحكة على غير عادته ورد بخبثه المعهود. يا حسن لم نعد بحاجة إلى ما في هذه الصرة ولكن لا يمنع ان آخذها لأحفظها لك في الصندوق حتى تحتاجها. وخطفها من يد حسن وهو يتجه نحو المنزل ويشير على الرجلين الواقفين بجانبه بأن يضعا ما معهما عند عتبة الباب. رجع حسن مكسور الخاطر ذليلاً لا يعرف من امره وامر عمه شيء ولكن شكوكه في عزم عمه على التلاعب به أصبحت شبه مؤكدة ولكن ما الذي بيده ان يفعله. وجاءت ليلة أخرى لم يذق فيها طعم النوم وفي الصباح ذهب لعمله كالعادة ولكنه لم يستطع اخفاء حالته العصبية وشروده الذهني مما جعل رئيسه يشير عليه بأخذ إجازة اضطرارية لمدة يومين او ثلاثة حتى تستقر حالته النفسية. وفي نفس الوقت ابلغه بترشيحه لمرتبة أعلى لاتمامه الفترة الزمنية في المرتبة الحالية ولما يتمتع به من كفاءة واخلاص. ولكنه ابلغه اسفه بأن هذه الترقية ستكلفه الانتقال من هذه المدينة لمدينة أخرى، فقد أصرت الجهة صاحبة الوظيفة على موافقة من يريد ان يشغلها لمباشرة مهامه هناك تحقيقاً للمصلحة العامة. شكر حسن رئيسه المباشر على شعوره النبيل نحوه وسعيه المتكرر لتحقيق ترقيته لمرتبة أعلى ولكنه طلب منه منحه وقتاً للتفكير واتخاذ القرار النهائي حول الموضوع. لم يستطع حسن الذهاب إلى منزله رغم ما كان يعانيه من آثار السهر فقد اتجه لمتجر عمه وفي نيته ان يصل إلى قرار يحدد مصيره وينهي هذا العذاب الذي يتجرعه. استقبله عمه بالترحاب واجلسه بجانبه وبدأ يلاطفه ويلين الجانب له فقد رأى في وجهه علامات الغضب والضيق فحاول ان يهدئ من روعه لكي يستطيع تمرير حيلة عليه دون ازعاج. حاول حسن ان يبدأ الحديث ولكن عمه كان ذكياً ويعرف كيف يصطاد فريسته وبأقل جهد ممكن. فما ان اراد حسن فتح الحوار حتى بادره عمه قائلاً: يا بني انا في مقام والدك وامرك يهمني ولكن الأمور تحتاج إلى تجربة وخبرة كثيرة إذ تغير زمان الأمس وأصبح الناس اليوم بما عندهم يقدرون والمال اليوم عصب الحياة. ومن لا يملك المال لا يساوي عند الناس شيئا. ماذا جمعت من وظيفتك. عشر سنوات وانت تعمل فيها. لم تملك بيتاً ولن تستطيع ان تصرف على أسرة في المستقبل. كل الكلمات التي ستقولها. انك تحب ابنتي. وسوف تعمل على إسعادها وانك وانك. هذه كلمات شبابية فيها من الخيال اكثر مما فيها من الواقع. الواقع اليوم. كم في يدك. كم في رصيدك. ماذا لديك من الأسهم كم دخلك من العقارات. هل لديك من هذا شيء؟؟! هل تريدني ان القي بابنتي في جحر ضب ان وجدت الغداء لم تجد العشاء وان كسوتها في الصيف اجلت كسوة الشتاء. يا بني لا تفكر بعاطفتك فكر بعقلك ودع عنك هذه الأحلام وانتظر ما سوف يقدمه لك عريس ابنة عمك من هدية لا تخطر على بالك ولن تحصل عليها لو جلست عشرين سنة اخرى في وظيفتك. هذا لك انت اما نحن فقد منحنا الكثير فلة باسمها وشيك يسيل اللعاب لعمك وطقم من الماس لخالتك العجوز. اما الهدايا والملابس والمجوهرات الخاصة بالعروس فحدث ولا حرج. هل بعد هذا عندك حديث يا ولدي؟!. ولكن يا عمي هل تبيع ابنتك لهذا الكهل من أجل طمع دنيا وتحرمها من السعادة مع من تحب. ألا زلت يا ولدي تتحدث عن الحب. ألا تعرف ان الحب أعمى. ألا تعرف ان الحب أعمى وان ما تراه جشعا وطمعا يراه غيرك فرصة سانحة لتأمين المستقبل وبناء سعادة حقيقية ترتكز على قاعدة المال. فبدون المال لن يكون لابنتي أي سعادة وإذا ضاعت مني هذه الفرصة فلن أجدها مرة أخرى. افهم من ذلك ان لا فائدة من النقاش معك وهل بقي يا ولدي أمور اخرى لم نناقشها ألم أقل لك انني على استعداد لمنحك ساعات بدل الدقائق. وهبات لا تحلم بها بدل هذه الصرة الحقيرة. إذاً يا عمي استودعك الله فقد قررت ان اترك هذه المدينة من اجلك. فاسعد بصهرك الجديد لوحدك واعان الله سلمى وامها على هذه المحنة التي ستحل بهن. ولكن يا بني ألا تريد ان تأخذ أمانتك التي أودعتها عندي. فقد تحتاج إليها في المدينة التي ستنتقل إليها. لا يا عمي فهذا هو مهر سلمى تصرف فيه كيف تشاء فقد خرج من ذمتي لذمتك وانا سيرزقني الله عوضاً عنه.