يقال إن من ألف فقد استهدف.. بمعنى أنه عرض عقله وتفكيره للناس، والبشر تتباين أذواقهم ونظراتهم للأمور، ولا كل من نقد فهو محق، ولا كل من كتب فهو مقصر.. ان مؤلف هذا الكتاب الأستاذ عبد الله تركي البكر، كان واقعياً في تسمية كتابه بهذا الاسم، لأن موضوعاته كلها ذات صلة بالمجتمع، تحلل واقعه، وتشخص أمراضه، ويشارك في وصف العلاج.. وواقعي عندما ذكر في اهدائه ولعله كررها مع غيري ليبرهن على سعة أفقه، وتحمله لما يقال حتى يتشجع وبمعنى في مسار التأليف.. حيث قال: «راجياً أن تنال رضاك لا تشرف به فاتشجع بالاستمرار في التأليف. كما آمل أن تضع أصابعك على ما تلحظه من مزالق أو هفوات وتصارحني به، فالصديق الزميل مرآة أخيه».. وان الحق ليقال: فقد استمتعت به أيما استمتاع، وقرأته قراءة المستفيد لا قراءة الناقد، وكنت في كل موضوع من الموضوعات ال (50) أجد الأستاذ عبدالله لا يبخل بعرض تجاربه ونصائحه، ليستفيد القارئ، وينتفع المجتمع.. وبعد أن مر بنا بعض الموضوعات في الحديث السابق.. نراه في الموضوع السادس الذي عنوانه: هل الأصلح أن يتولى مقاليد الأمور شباب الأمة، أو شيوخها.. حيث يرى الأمر مفاضلة بين العنف والعجلة في التجديد ممثلة في الشباب، وبين اللين والتريث الحكيم، ممثلاً في الشيب.. وبعد أن أجرى مفاضلة بين الحالتين في مناظرة تشبه المناظرة بين السيف والقلم المشهورة في الأدب وبين محاسن كل منهما، مما يحير القارئ أيهما يفضل، حسم الأمر بنتيجة حكيمة حيث قال: وليس في كنانة الأمة سهام خير من عزمات الشباب، وتجارب الشيب، فعليها أن تضم هذه الى تلك، وأن تسير عزمة الشباب ونشاطهم بجانب خبرة الشيوخ وحنكتهم، حتى ترشد الأمة في غزواتها، وتوفق في كل أمانيها.. ثم ختم الموضوع باقتراحه: وانه لمما يتفق وذلك المعنى: وجود مجالس شباب راشدين، يتجلى فيها نفاذ الشباب وحيويته، وبجانبها مجالس شيوخ تتهادى فيها هدأة الشيب وحنكته، ولو كانت كل وزارة من وزارات مملكتنا: يتمثل فيها ذلك المعنى أيضاً، لنجحت البلاد في كل خطواتها، ولفازت في كل جولاتها «ص 36». وموضوعه السابع: متى تكون الحرب حقاً، ومتى تكون باطلاً، ويقع في ست صفحات ونصف، وضع على العنوان رقماً للتحشية، مما يدرك منه القارئ رأياً يريد تدوينه الكاتب: اما بالمصدر والذي نشرت فيه المقالة، أو بتعليق منه يوضح المناسبة أو غير ذلك.. لكن لم يحصل شيء من ذلك.. فيحسن ايضاح الأمر أو حذف هذا الرقم. ومن استقراء المقال: يتضح أنه يتحدث عن حرب الخليج، وتصرفات صدام حسين الهوجاء حيث يقول: ان هذا الطاغية، الذي أورد شعبه وبلده موارد الهلاك، فقد تحدث عن بعض خصائصه، وما تميز به دون غيره ما فهم منه انه لا يطيق المعارضة، ومن يعارضونه فهم خونة ولصوص فاسدون ليس لهم الا أن يموتوا كما تموت الكلاب المريضة، ولا يطيق النقد، فمن لا يؤمن بعصمته فهو زنديق، وهذه صفة كل دكتاتور «شنشنة أعرفها من أخزم» لكن هذا الفج، الغليظ القلب: ميزته انه يجد نشوة في حديثه عن معاداة العالم، لأنه لا يجد مثلها في صداقة العالم له، لأنه لا يريد ان تحدث الأمور بأمره هو، وليس المطلوب له فقط أن يأخذ وكفى، بل المطلوب له أن يأخذ ويثير ويخيف، وينتصر كجبار قاهر، لا يطيق أن يتحول الناس الى أصدقاء له.. وقد ختم هذا المقال التحليلي لمفهوم الحرب، عند بعض المتسلطين: بالابانة ان لكل ظالم نهاية، ثم بالشكر لخادم الحرمين الشريفين في موقفه البطولي فقال: وأول الواجب الوطني منا وعلينا، ان نتقدم باخلص الشكر واصدق الولاء للقائد الأعلى لقوات مملكتنا خادم الحرمين الشريفين، لمبادرته المشرفة، ونظرته الثاقبة فيما أدركه ووعاه، وسارع اليه من حرصه المستمر على درء الخطر وتداركه قبل وقوعه، حماية لمملكتنا ومقدساتها، ثم اصراره بشدة وحزم على تحرير دولة الكويت، بدون انصاف الحلول، أو تراخ أو فتور (ص 35). والموضوع الثامن: الوطنية الزائفة، والأنانية المسعورة: نراه فيه يحلل نوعيات من محبي ذواتهم، ا لمضطربين في كيانهم العقلي، لتكالبهم على الحياة باطماعها، فجردهم حب الدنيا، وجمع المال من الوطنية والانسانية، الى جانب خصال كثيرة، برزت عند بعض الشباب في حين من الدهر، حيث يساقون لهدف لا يعرفون أبعاده، كما تساق النعاج الى حتفها ثم يصف تلك النوعيات بقوله: وتالله لو أفرغت طيبات الدنيا في جوف هذا الحيوان الانساني، ممن وصفت لك منهم، ما زادت في لذته على ما يكون من افراغ حقل من العلف، في جوف بهيمة، لأن حياتهم انبنت على أحد شيئين: التمني بأن تكون حوادث الحياة ما يريدون، وإلا كما يتمنى كل انسان منهم، أن يكون غير نفسه.. ويمثل لأصحاب الانانية المسعورة، والوطنية الزائفة بقوله: ان أمثال هؤلاء من محبي ذواتهم لا غير هم بين طامع جريء، ان نفعته الجرأة، ذهب بمنفعتها الطمع، وبين متحيل متعلل على الغيب يستجمع له، وكأنه قد أخذ موثقاً بطول البقاء والسلامة لكن الواقع سينفذ فيه، وبين متبرم بما ضره حاسد لغيره (36 40). ويحذر الشباب باسم الوطنية: أن يكونوا مخلب قط لكل داع ثائر، أو مبدأ جائر، فيعمل مع الشيطان في الظلام، ويبيت الاجرام.. فهذا هو رجس الشباب، وخور الرجولة الضالة المضلة، وفحش العقيدة، وخبث الوطنية وجنونها.. بهذه الكلمات العميق معناها، الراسخ مبناها ختم هذا الموضوع المهم. والموضوع التاسع: وجوب تكريم رواد العلم والتعليم: التي كانت كلمة القيت بين يدي سمو الأمير مقرن، ووزير المعارف وصحبه المرافق، إلا أنه لم يحدد تاريخ تلك المناسبة: التي كرم فيها القدماء من رواد العلم والتعليم، والتي اهتم فيها باستنتاج الدلالة على مكانة العلم والتعليم في نفوس المسؤولين، مما يعبر عن رقي اساليب التكريم والوفاء لأن تكريم القدماء من رجال الأمة في أي مجال كانوا: لهو الجزاء الأوفى وهو الجزاء الروحي الجميل، والثواب النفسي النبيل الذي تطيب به نفوسهم في الحياة، وتنعم به أرواحهم بعد الممات (41 43). وقد وضع على العنوان رقماً للاحالة، اما بالمناسبة أو بالتاريخ أو غير ذلك، الا أنه قد أُنسيه أو أن الطابع أغفل ذلك، كما هو الشأن في مواضع أخرى من هذا الكتاب. والموضوع العاشر: يتضمن أربعة اسئلة مع اجابتها لجريدة عكاظ عن حائل في سطور: منذ نشأتها الى واقعها الذي نهضت فيه، وفي هذا الموضوع، ابانة عن مدينة حائل في العهد السعودي، بعدما وحد الملك عبد العزيز رحمه الله البلاد، وبعدما استتب الأمن في ربوعها شأنها شأن غيرها، من أقصى البلاد الى أقصاها من ازدهار، وتوسع وأخذ بأسباب الحضارة في جميع مرافقها، حتى أصبحت مدينة واسعة منظمة تكتنفها المشاريع، العمرانية والزراعية والعلمية والاقتصادية، والطرق، ووسائل المواصلات الحديثة.. ومدت الكهرباء لأبعد من 250 كم من القرى، وتناثرت بها المستوصفات الصحية، وكل المرافق الحيوية.. ووصف ذلك بقوله بعد المقارنة بين حالة سابقة، وحالة حاضرة، في دقة، تبين حالة تذكر فتشكر: وفي بضع سنوات بعد نشوء صندوق التنمية العقارية، كانت البلاد غير البلاد، والأهلون غير الأهلين، فبالأمس كانت بلدة عزلاء عجفاء، واليوم تراها مدينة ضخمة بجراء، وأهلها بالأمس قوم هزل فقراء مقلون واليوم هم ملاء متمولون، نعم لقد بدلت خلقاً آخر، ولبست ثوباً قشيباً من الحياة.. الى آخر ما ذكر عما وصلت اليه من نشاط وتجدد واتساع في المدينة وقراها «ص 44 46». وموضوعه الحادي عشر: الشباب عماد الأمة وكنزها قد قسمه الى عناصر ثلاثة: الشباب وفراغه وجدته مفسدة له أي مفسدة، والوراثة والبيئة، والشباب وفراغه، وقد عالج فيه أمرين: الشباب في صلاحه وطموحه، والشباب في انحرافه مع قرناء السوء ووضع الصّوى على معالم الطريق للاصلاح والتوجيه، حتى يكون الشاب صالحاً نافعاً، ولم ينس المؤثرات النفسية التي تعصف بالشباب، حيث توجد هوة سحيقة بين أولياء الأمور والشباب، وقد ساهم في كل حالة بوضع الحلول التي يراها مناسبة في معالجة أحوالهم، حتى يكونوا نافعين لأنفسهم ولأمتهم، من واقع تجاربه في التربية والتعليم، حيث سبر أغوارهم، وتفاعل عما يعتمل في صدورهم.. وهي آراء مفيدة نافعة، للشاب في نفسه، وللمربي والمعلم مع طلابه، وللأب مع أبنائه، تنبئ عن عمق في الفهم وقدرة على الارشاد، حتى يعطي كل فرد في المجتمع، بما يعين على تخطي العقبات لما فيه صالح الأمة، على أسس سليمة رسمها الاسلام (47 54). والموضوعات التي طرقها المؤلف: يأخذ بعضها بحجز بعض اذ تسير في بوتقة التوجيه والاصلاح، ورغبة الارتقاء الى الأكمل في مناص العقيدة والايمان، والأنفع للبلاد ومكانتها.. فنجد الموضوع 18، ا لشباب ومدرسة الايمان توءماً للموضوع السابق 11، ومثل ذلك الموضوع 23 نصائح الآباء دستور الأبناء ص 97 98، والموضوع 34: كيف يقضي الطلبة المخفقون في الامتحان عطلتهم «ص 134 136»، والموضوع 35 يجب أن تتعاون المدرسة والأسرة على انجاح الطالب «137 139» والموضوع 36، مهمة المدرسة نحو تلاميذها ومبدأ العقاب «140 143». فهذه الموضوعات ذات صلة بالموضوع الأساسي رقم 11، الشباب عماد الأمة وكنزها.. الا أن لكل منها مذاقاً متميزاً: حيث ربط في الموضوع 18 الشباب بعقيدة الايمان، فلا شيء يريح النفوس، ويسهل ما صعب من المشكلات غير الايمان الذي يبعث في القلب راحة واطمئناناً. وفي الموضوع 23 يركز على نصائح الآباء، وأهميتها في مسيرة الأبناء، حيث يحمل الآباء مسؤولية العطاء من التوجيهات والتجارب لابنائهم، والأبناء مسؤولية الامتثال لنصائح آبائهم، لأن أهم شيء عند الأب، فلاح ابنه ونجاحه. والموضوعات 34، 35، 36، تبين دور كل من المدرسة والأسرة، في التعاون والتوجيه في رعاية الطالب، والأخذ بيده، حتى يصعد درجات المجتمع، بخطى ثابتة، أودع فيها المؤلف خلاصة أفكاره وتجاربه، حيث صاغها في نصائح وارشادات، لكل من المعلم، المربي وقت النضج، والأب الموجه بحرصه ومثاليته أمام ابنه، برسم يؤمل ان يصل اليه ابنه من مكانة يعتز بها، والطالب بما يجب عليه أن يسترشد بالمنهج السليم في درب الحياة، وهي نصائح استخلصها الأستاذ عبد الله من حصيلة مدرسة الحياة، والتجارب فيها، والعلم الذي تشبع به متعلماً وعالماً ومعلماً، فبثها للطلبة نصائح وارشادات، وللآباء والمعلمين حافزاً على الاهتمام والرعاية للطلاب في وقت تتفتح فيه أذهانهم، متشوقة الى جني الثمار، كما تتعطش الزهرة الى مدها بالماء في تفتحها حتى لا تذبل. ولقد كان الكتاب يمثل موضوعات شتى كتبت بحسب مناسبة كل موضوع، فان الموضوع 12: الأمانة والخيانة وما بينهما (ص 55 62) في مدحه للأمانة قد سها عليه أن يبين مكانتها في القرآن الكريم، وأنها داخلة في كل شيء، وليست في المال وحده، حيث اتجه أغلب هذا الموضوع للحديث عن آثار الخيانة، واعتبر المتهمين فيها أنزل مكانة من الحيوانات حيث وازن بهذا الاقتراح: أفلا يمكن أن يتاح للعالم والأمم، بأن يقيموا معرضاً حيوانياً لاشخاص الرذائل، يدرس فيه علم المقابلة، بين الطباع في الانسان، وبين الغرائز في الحيوان، وعلم الانحطاط الاجتماعي، وفن الطبقات السفلى من الحياة؟! ولو فعلت ذلك أمة من الأمم، لرأى الناس فيما يرون هناك من كبار اللصوص، وأهل الشر والاثم، عدداً كبيراً، من سارقي المجتمع وسالبيه، الى أن قال: والغش هو الخيانة والسرقة بعينها، بل انه ابشع من السرقة، لأنه سرقة مكشوفة، زائداً المكر والخديعة، فقد تكون السرقة مصحوبة بالتستر والحذر والخوف، وقد تكون مرة في العمر، لكن هؤلاء الغششة يخدعون ويمكرون، ويدمنون هذا المكر ويعكفون عليه كما يعكف المشركون على أصنام هم لها عابدون. وجعل من ضروب الخيانة: اخفاء الحقيقة أو كتمها، أو كتمان الشهادة.. كما جعل للأمانة أنواعاً، وضدها الخيانة فقال: الفروض الخمسة أمانة، والمهمل لإحداها خائن ربه، والسر أمانة ومفشيه خائن من ائتمنه عليه، والوظائف والمناصب والولايات والأعمال العامة، أمانة ومسؤولية، والرعية في الأمة أمانة في عنق راعيها، وخيانة هذه الأمانات تتفاوت اثماً ونكراً واشدها شناعة ما اصاب الدين والمسلمين، وتعرضت الأمة لاذاه، وليس أعظم خيانة، ولا سوء عاقبة ممن يأخذ من أحد شيئاً بغير حقه. ويدخل في حكم الأمانة والخيانة موضوعه 13: صدق الانسان مع نفسه (63 66) اذ الصدق مع النفس ايمان وهو أمانة يؤديها الانسان لنفسه، كما يؤديها لغيره، وعدم الصدق خيانة للنفس التي هي ملك لله، يجب الائتمار فيها وفق أمر الله سبحانه. وكذلك الموضوع 31: أكل لحوم البشر (123 126) وهذا من الخيانة، لما فيه من محاولة للاضرار بالآخرين، حيث يستمتع المغتاب بذلك، ويشاركه فيه من يصغي اليه، والنمامون والوشاة، وبدأ مقاله بقوله: مما يثير الاستغراب ان كثيراً من الناس ممن يؤدون الشعائر الدينية على أكمل وجه، ورغم هذا فانهم لم يرتدعوا عن ولوغهم في الاعراض، أو الانصات بل انسجام لسماع هذا الصنف من الناس، وهؤلاء مشاركون لهم بالاثم، واعتبر هذا من الحسد، كما قال الحسن البصري: يحسد أحدهم أخاه، وينهش في عرضه، ويقع في سريرته، ويتعلم منه في الصداقة، ما يعيره به، اذا كانت العداوة، والله ما أرى هذا بمسلم. وبعد أن أزجى نصحه لمن يأكلون لحوم البشر، وعدد الخصال السيئة التي يتحملها من بلي بامتهان الغيبة، والنميمة، قال: آمل ممن كان هذا دأبه، وتلك سجيته: أن يثوب الى رشده، ويستغفر ربه، ويحسن النية في أخيه المسلم، وينقي ضميره من أوضار هذا الشوائب، سهلة المدخل، ثقيلة المحمل، ثم أكد ذلك باحاديث نبوية، وأقوال بعض العلماء والحكماء.. لتكون توجيهاته أمكن في ذهن القارئ.. فما أحوج كل فرد في المجتمع ان يعي ذلك، حتى تتحاب النفوس، وتتصافى القلوب. البرّاض وفتكه: جاء في مجمع الأمثال، وعند ابن الأثير في تاريخه الكامل: ان البراض بن قيس الكناني، كان رجلاً فاتكاً خليعاً أي خلعه قومه، لأنه كان يجني الجنايات، فتبرأوا من صنيعه، حتى لا يلحقهم أذى بسببه ففارقهم وقدم مكة، فحالف حرب بن أمية، ثم نبا به المقام بمكة أيضاً، ففارق أرض الحجاز الى أرض العراق، وقدم على النعمان بن المنذر الملك وكان النعمان يبعث في كل عام بلطيمة للتجارة الى سوق عكاظ، واللطيمة العير التي تحمل الطيب وبز التجارة لتباع له هناك، فقال يوماً وعنده البراض، وعروة بن عتيبة بن جعفر المعروف بالرحَّال: من يجيز لي لطيمتي هذه حتى يبلغها عكاظ؟ فقال البراض: أبيت اللعن، أنا أجيزها على كنانة، فقال النعمان: انما أريد من يجيزها على كنانة وقيس. فقال عروة: أكلبٌ خليع يجيزها، أبيت اللعن، أنا أجيزها على أهل الشيح والقيصوم، من أهل تهامة وأهل نجد. فقال البراض: وقد غضب وعلى كنانة تجيزها يا عروة؟ قال: وعلى الناس كلهم. فدفع النعمان اللطيمة اليه، وأمره بالمسير بها، وخرج البراض يتبع أثره، وعروة يرى مكانه ولا يخشى منه، حتى اذا كان عروة بين ظهراني قومه، أدركه البراض بين قيس، فأخرج قداحه يستقسم بها في قتل عروة، على عادتهم في الجاهلية فمر به عروة فقال: ما تصنع يا براض؟ فقال: استقسم في قتلك، أيؤذن لي أم لا؟ فقال عروة: همتك اضعف من ذلك فوثب عليه البراض بالسيف فقتله. فلما رآه الذين يقومون على العير وهي الابل التي تحمل الميرة والأحمال قتيلاً انهزموا، فاستاق الابل البراض، وسار على وجهه الى خيبر، وتبعه رجلان ليأخذاه، أحدهما غنوي، والآخر غطفاني، وسارا حتى لقيهما البراض بخيبر، فقال لهما: من الرجلان؟ قالا: نحن من قيس، قدمنا لنقتل البراض، فأنزلهما وعقل راحلتيهما، ثم قال: أيكما أجرأ عليه، وأجود سيفاً؟ قال الغطفاني: أنا فأخذه ومشى معه ليدله بزعمه على البراض ثم قال للغنوي: احفظ راحلتيكما، ففعل. وانطلق البراض بالغطفاني حتى أخرجه الى خربة، في جانب خيبر وقال له: هو في هذه الخربة يأوي اليها، فأمهلني حتى أنظر أهو فيها؟ فوقف.. ودخل البراض، ثم خرج فقال: هو فيها وهو نائم، فأرني سيفك حتى أنظر اليه، أضارب هو أم لا؟ فأعطاه سيفه فضربه به حتى قتله، ثم اخفى السيف وعاد الى الغنوي، فقال له: لم أر رجلاً أجبن من صاحبك، تركته في البيت الذي فيه البراض، وهو نائم فلم يقدم عليه، فقال الغنوي انظر لي من يحفظ الراحلتين، حتى أمضي اليه فأقتله، فقال له: دعهما وهما علي.. ثم انطلقا الى الخربة.. فقتله وسار بالعير وسيفيهما الى مكة (مجمع الأمثال 2:23، والكامل 1: 360).. للحديث صلة