اختار د. محيى الدين اللاذقاني لكتابه الجديد عنواناً جذاباً وغريباً )طواحين الكلام( الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.. هذا العنوان يذكّر على الفور بطواحين الهواء التي كان يحاربها دون كيشوت في رائعة سرفانتس المعروفة. هذا الفارس الإسباني الذي خرج في القرون الوسطى يحارب أعداء مجهولين ويبحث عن مجد مؤثل رغم انه لا يملك من حطام الحياة سوى حصان هزيل وسيف خشبي وتابع ذليل يدعى سانشو. هذه القصة الاسطورية لاتزال صالحة للاستلهام وللعب المجازي مع مفرداتها العظيمة فها هو اللاذقاني يمتطي صهوة الصحافة العربية المهاجرة والمقيمة ويقدم زاوية )طواحين الكلام( ولا يحمل سلاحاً سوى قلم بسيط وروح نبيلة فيأخذنا بأسلوبه الرشيق الى عالم النساء المسحور ونظرة الكتاب والفلاسفة الى المرأة وظلمهم الصارخ لها مستشهداً بأقوال لبلزاك الذي يشبه الزوجة برجل المباحث واقول لامارتيه الذي يرى ان المرأة مثل كتاب جيد الغلاف وفاسد المضمون! ولا يفوته ان يعرض لبعض نظريات الجمال والجاذبية في علاقة الرجل بالمرأة قبل ان ينتقل الى وجوه ومواقف من التراث والى قضايا راهنة تهم الانسان والمثقف العربي. هذا التنوع من افكار الكتاب من السينما الى التراث.. من الحب الى السياسة لا يعني خفة البضاعة المطروحة وانما هو تأكيد على قيمة المتعة واعادة القارىء ليتصفح الكتب بدهشة وباحساس مختلف خصوصا ان هناك افكارا كثيرة ستدهش القارىء الى درجة الصدمة لاول مرة فهو ينسب الى بشار اختراعه معطر الجو حين قال: اذا وضعت في مجلس القوم نعلها تضوع مسكاً ما افاءت وعنبراً وينسب الى عمر بن ابي ربيعة اختراع اول محطة لتحلية المياه حين قال: ولو تفلت في البحر والبحر مالح لأصبح ماء البحر من ريقها عنبا مثل هذه الأبيات الطريفة يوردها اللاذقاني في بحثه عن علاقة الشعر بالاختراع! وهكذا على امتداد صفحات الكتاب 246 صفحة يستمر القارىء مشدودا ومستمعتا بكل مقال حيث يرتاد مع الكونت الدون كيشوتي محيى الدين اللاذقاني حقولا منوعة ومكثفة من المعارف والفنون.. رحلة خالية من التكلف او التسطح، صورا ضاحكة وكلمات موسيقية وفارسا يستبدل بطواحين الهواء )طواحين الكلام(!.