كان لمسرحية «موت المغني فرج» نكهة خاصة ضمن سياق المعروض مسرحياً في مهرجان الجنادرية الأخير لكونها تنشغل بتقديم نموذج مسرحي اجتماعي الطابع، لا يذهب في اتجاه محاكاة المألوف من هذا النوع عربياً، والمعتل بترسبات التدهور الثقافي، بل يسعى للمواءمة بين بساطة التكوين الذي يتغزل عواطف الناس وجماليات الصوغ المسرحي معتمداً في ذلك على قدرات المؤلف عبدالعزيز السماعيل في دفق الموضوعة المسرحية بطاقة درامية عالية، تتصعد ادائياً بكفاءة المؤدين وبالتحديد الشخصية المحورية التي قام بأدائها محمد التركي. ويبدو العرض نصاً بسيطاً لا يجنح للتعقيد في بنائه الدرامي، يتجه بأدواته الى استكشاف العالم الجواني للشخصية الدرامية عن طريق تصميم بنية النص على خلفية تداعيات روح المغني فرج، الذي يستيقظ فيه الوجع من لحظات الحلم لذاته المنهارة بضياع فضائه الخاص، وفقدانها لبريقها الاجتماعي برغم انغماسها في ذلك التوق الإبداعي المتداعي.نجد فيه تمثلاً حقيقياً لرغبة المحافظة على اجتماعية العرض دون الابتعاد عن الشروط المسرحية، وذلك عبر الاستفادة من مفردات العرض، بحيث يخدم فيه التكثيف الموسيقي اتجاهه الاجتماعي، وتقوده إلى الطرفة الأدائية التي يتفوق فيها الممثلون إلى خلق طقس حميمي مع الجمهور، ولا يبعد ابدال الفصحى بالعامية في هذا العرض عن نية الاقتراب من خواص الاجتماعي بعيداً عن التورط بتنميطات مستعارة من المسرح الكويتي والمصري صارت ضمن مخيالنا الجماعي تمارس فعلها في ذائقة المتلقي، او السقوط في اشكالية استعارة الأدوار التي تنتجها ذاكرة مسرحية طالما ارادت للمسرح ان يكون درساً وعظياً او خطاباً تربوياً بحسب تأثير الجهة الحاضنة له لتحقيق صفته الاجتماعية.محاولة جادة للتخلص من انصياع العرض للمؤثرات الخارجة عن حدود الخطاب المسرحي والتي كثيراً ما زاحمت المسرحي في عروضنا، ليصبح المعطى الدرامي بهذا المعنى اساس التركيب الجمالي والحافز لشحن العرض دلالياً وتحقيق وحدة جدلية لانساقه الداخلية، فكان العرض ناجحاً إلى حد ما على هذا الصعيد، متماسكاً في ايقاعه الداخلي يمضي بانسياب في اقتحام مشهد الانكسار الروحي الذي يمنحه هذا الضبط العالي لحركة الجسد عند التركي رصانة في الأداء، فيما يتأثث فضاء العرض بعازفي الفرقة الشعبية وأدواتهم، بشكل يحقق بناء مادياً موازياً لعالمه الوجداني الذي تتقاطع حدوده مع أبعاد هذا الفضاء ولو بدا ذلك تأويلاً خشناً لنوايا العرض دون القطع بتحققه بالضرورة في اباناته. هذا الاتجاه صوب تحقيق اجتماعية المسرح في إطار الفعل الجمالي إذا ما قدر له الاستمرار يمكن ان يعين في طرد الطفيلي والدخيل على المسرح، وتحقيق قدر من التوازن بين مقاصد العرض الاجتماعية والجمالية بما يحفظ له خصائصه المسرحية، كما قد ينشئ وعياً مسرحياً مغايراً يعيد إنتاج أسئلته الخاصة حول العلاقة بين المسرحي والاجتماعي، ولربما يحسم لاحقاً شيئاً من هذا التباين المتمادي في الفهم المسرحي المحلي.