في ظل ظروف حساسية الساحة الشعبية المفرطة لن نجد الناقد الصادق .. الواعي،، مهما أوتي من أدوات الكتابة وكنوز المعرفة، ودرر الحبر الثمينة، ومهما تعمق في بحور اللغة، ومهما غرق في محيطات البيان.. لا جدوى لنا سوى الثرثرة في مجالس الورق الواسعة، والتشدق بأسباب غياب الناقد. اتفق معظم الشعراء ان لم يكن جميعهم على مسألة غياب الناقد عن الساحة الشعبية. حاولت ان اسهب في قراءة أبعاد آراء هؤلاء الشعراء.. ومن هو الناقد في نظرهم؟!! فباءت محاولتي بالنجاح فوجدت ان هناك الناقد المؤهل.. الصادق .. الأكاديمي!! المدجج بالمعارف والعلوم المتنوعة!!ولكن المشكلة التي ما زالت تؤرق الناقد الشعبي هي حساسية هذه الساحة التي أفرزتها صحافة الشعر الشعبي التي لوثتها الحسابات الشخصية بالآراء العقيمة وبالأفكار الجوفاء وبمبادئ «الكيل بكيلين» و«شد لي واقطع لك»! ودائما ما يصرح الشعراء بعدم وجود النقد في هذه الساحة ويحاول بعضهم تأصيل هذا المفهوم لدى القارئ المتواضع وعندما نعرض لهم بعض النماذج الموجودة يؤكدون ان هذا نقد شخصي مبني على العواطف والعلاقات الإنسانية.. وكأنهم ينفون وجود «النقد الفني» البحت.. عجيب.. أمرهم..!! وللأسف فالنقاد أصبح يعانون من الإحباط النفسي، والتشتت الذهني، والحرب الإعلامية الشرسة وخاصة في الصحافة.. أصبحوا محاربين من الكل.. فما كان منهم إلا ان عشقوا الانزواء والابتعاد .. والركون للكتابات «الهلامية» التي جاءت انعكاسا لما قوبلوا به من بعض الشعراء الذين ملأت رؤوسهم لعبة الإعلام.. فصدقوا .. وتصوروا بأنهم وصلوا لمرحلة فوق النقد.. تلك المرحلة التي سنها الجهلاء فصدقها الضعفاء.. والمشكلة ان الصحافة بوجه عام تجعل من «الحبة قبّة»!!!. والكثير منهم لا يملكون منبراً يتحدثون من خلاله سوى عملائهم في الصحافة فتجدهم يدسّون السمّ في العسل.. بطرقٍ لا ترقى لحضارتنا الإعلامية العظيمة.. فيتخذونها قناعا لترويج أفكارهم ومحاربة كل رأي مخالف لأهوائهم.. تلك هي ظروف الساحة الشعبية العصيبة مع إيماني التام بوجود كم لا بأس به من الصدق والنقاء.. يقول الشاعر والصحفي المعروف فهد عافت في احدى نثرياته: ما على الناقد سوى انه يأخذ كلمتين .. وكل ما في الشطر الأول.. ويقعد يثرثر ب «جريدة» مو «قصيده»!! لنكن أكثر مصداقية مع أنفسنا ولا نخادع بعضنا الآخر، لأننا الشاطئ والميناء وفي رحلات «الأدب» المبحرة، أليس مثل هذا الكلام فيه تشكيك بوعي وبقدرة الناقد الشعبي؟!! لماذا كل هذا الهجوم المركز ؟!! والمستهدف؟!! اختلف هذه المرة مع الشاعر غالب الحربي عندما قال عن قصيدته وعن كل القصائد عامة: ماعاد تقبل ناقد مالا بها اي اختصاص يجي يداويها ومن جهله يسد عيونها ما هذا؟! إلهذه الدرجة كثر أدعياء النقد في الوقت الذي نعاني فيه من شح الناقد الشعبي.. ناقدا حقيقياً كان.. أو محسوباً على هذه الساحة. دعوا جميع النقاد والكتاب يمارسون ابداعهم بهدوء وأريحية.. دعوهم يأخذوا فرصتهم المهدورة.. وشجعوا الأقلام المترددة «الخائفة» ثم مارسوا عملية التنظير .. ونقد تجربة النقاد.. ثم «حيلكم في بعض»!! ان معظم الشعراء يخافون ان تأفل نجومهم، وتنطفي شمعاتهم!! ان الناقد الشعبي ليعتبر الجسر الموصل للمثقفين والأكاديميين.. وبلا ناقد يكشف لنا مكامن الإبداع ويحاكي فلسفة الجمال، ويعرّي مواطن الضعف.. سوف نظل ندور حول أنفسنا. وفي الحقيقة هناك اسماء تستحق ان تكسب الاحترام لجرأة أصحابها في الطرح وابرز هؤلاء «عبد الله الزازان» الذي أتصور بأنه اصبح «كابوس كثير من الشعراء» لمغامرته ومجازفته في نقد أبرز نجوم الساحة مما جعله يدفع الثمن غالياً مع خلافاته الكثيرة مع أبرزهم حيث اتسعت فجوة الخلاف.. والمصيبة انه ليس اختلاف بالآراء فقط!!! ايضا هناك «عواض العصيمي» الذي برز في النقد ولكن بصورة أخرى تبعده عن صخب الساحة بأسلوب متّزن وهناك «نايف الجهني» الذي ما زال مترددا بالرغم من امتلاكه لمقومات الابداع وأدواته الرائعة. كما برز في الآونة الأخيرة قلم جريء اختفى صاحبه تحت اسم مستعار هو «راعي الذود» وهذا القلم سيساهم بشكل كبير في دفع عجلة النقد خطوات للأمام.