ومن جديد يغادر ديارنا هذه عالم آخر ليلحق بعلماء غادروها قبله، علماء سُخّروا لخدمة هذا الدين وأمته وقضوا جل أوقاتهم في حلقاتهم وبين مؤلفاتهم وقراءتهم، علماء أدركوا وتيقنوا ان الدنيا دار ممر وأن الآخرة دار مقر، فعملوا في دنياهم لآخرتهم واستعدوا بكل ما أوتوا ليومهم الآخر. نعم,, فلقد غادرنا بلا عودة فضيلة الشيخ .محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وجمعنا به في الفردوس الأعلى إنه القادر على ذلك سبحانه وتعالى. إن الحديث عن هذا الشيخ حديث لا ينتهي، والكلام عن مآثره وصفاته وإسهاماته كلام لن ينقطع. ذلك أنه رحمة الله عليه ومنذ صباه كان مشتغلاً بالعلم والعلماء فحرص على حضور الدروس، وجلس وتتلمذ عند علماء عدة وحفظ الكثير من المتون، واستطاع ان يجعل من نفسه زائراً دائماً لكتب العلماء والتي تُعد متنفساً عليلاً له وبساتين يقطف منها ثمار زيارته ومراتع لا يحس بالأنس والاطمئنان إلا داخل حدودها, ثم قرر أن يعلم الناس ما تعلّمه، ويبدأ طريق الدعوة إلى الله، فأقام الدروس في المسجد، ورسم المناهج في المعهد، وتخرج من تحت يده طلبة علم وعلماء من الكلية والجامعة، ونوّر الناس في أمور دينهم من المذياع وفقه النساء في أمورهن عن طريق المطويات والأشرطة، ودعا إلى الإسلام في زيارته. ثم أصبح رحمه الله من علماء الإسلام الذين جعلوا لهم في كل بيت أثرا، وفي كل مجتمع مقرا فاختير ليكون عضواً دائما في مجلس الإفتاء، فناقش المسائل العصرية ووجد لها الحلول، وعرف ما يضر الدين من مستجدات فكان معها موقف، وأدرك خطورة ما يلهي المسلمين عن دينهم فحذرهم منه. واستمر هكذا رحمه الله حتى غادرنا ودنيانا وجميعنا محزونون لفقده، ومتألمون بموته. وحُقّ لنا ذلك، إن من الصعب فقد مثله وصدق الشاعر إذ قال: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد حر يموت بموته خلق كثير رحمه الله فلقد كان العابد العالم، الورع الزاهد، الحبر البحر، القوي في الحق، الصابر في الألم. اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، واكرم نزله، ووسع مدخله ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسله من الذنوب والخطايا بالماء والثلج والبرد آمين يا رب العالمين. حسين سعيد الحسينة