هل سرعة البديهة موهبة أم أنها تعلم؟ لقد فكرت وجربت الخوض في هذا المجال فوجدت أنها موهبة وتعلم؟ فلا شك أن هناك من يملكون سرعة البديهة موهبة من الله، ولكن حتى هؤلاء لا يستغنون عن التمارين لصقلها والارتقاء بها وزيادة سرعتها وفعاليتها. أما الذين لا يملكون الموهبة مثلي فإن بوسعهم أن يمرنوا أنفسهم حتى يتمكنوا من إجادة الحد الأدنى الذي يمكنهم من الرد ويرفعهم عن درجة العيّ والحصر. وتتمثل طريقتي في تخيل مواقف معينة وكيف أرد فيها بطريقة ذكية تناسب الموقف. ثم أكون من هذه ومن قراءاتي مخزونا وفيرا يمكنني من الاستنجاد به وقت الحاجة, ولا يستدعي الأمر أن يكون الموقف الذي يجد المرء نفسه فيه مطابقاً للموقف الذي لديه في مخزون الذاكرة بل يكفي أن يكون قريباً منه لتنطبق العبارة عليه، ويجب أن يكتسب الإنسان المرونة لتحوير بعض الجمل لتناسب الموقف. واذكر أن صديقاً شكا لي مرة قائلاً: إن السائقين في الشوارع وفي الطرق السريعة في الدول الأخرى إذا أراد أحدهم أن يسقط في مسار أحد من أمامه فعلى الأول أن يكتسب سرعة تزيد كثيراً عن سرعة الأخير حتى لا يصطدم به. أما في بلدنا هذا فإن السائق يسقط عليك وسرعته تقل عن سرعتك الامر الذي يعرضك للاصطدام به, وقال إن سائقاً سقط عليه في مساره وسرعته تقل عن سرعة صديقي هذا فكاد أن يصطدم به لولا لطف الله, واخطر من ذلك أن عدداً غير قليل من السائقين يدخل الواحد منهم من شارع فرعي على شارع رئيسي به سيل من السيارات المسرعة ولا ينظر من يساره ليتأكد من وجود سيارات قادمة. أو أن سائقاً يتحرك من موقفه بسرعة دون أن ينظر نحو السيارات القادمة. وسألني إن كنت استطيع تفسير هذه الظاهرة وعلامَ تدل, فقلت إني لو كنت أجنبياً أرى ما يحدث لأول مرة لما خامرني شك بأنها محاولات مستميتة للانتحار من قبل هؤلاء السائقين وإن لم تكن كذلك فإنها تقليعات مبتكرة في التهور. ولكن وأنا أعرف ما أعرف أقول إنها بقايا من أيام العرب ساءت وتفاقم سوؤها من تعلم مفاهيم خاطئة في غياب توعية فعالة, وكل سائق في ظل هذا الوضع يعتقد أن التأكد وأخذ الحذر هو مهمة السائق الآخر, وإذا تعلم الناس مثل هذه الأساليب الخاطئة فإنها تبقى معهم، والتعلم الجماعي كالتعلم الفردي يصعب نقضه إلا بجهد,وبعد ذلك قال صديقي إن السائق الذي سقط عليه رغم خطئه انفعل عليه وسأله هل هو، أي صديقي، سكران؟ وقال لي هذا الصديق ما هو ردك لو كنت مكاني؟ ولما كانت بديهتي غير حاضرة فقد وعدته بالتفكير له, ولما رأيته في المرة الثانية قلت له إني فكرت له في الأمر وجوابي هو: لو قال لي: هل أنت سكران؟ لقلت له: وأنت يوم رميت نفسك بطريقي كان قصدك تقيم علي الحد؟ ولو قال لي: هل أنت مجنون؟ لقلت له: مالك لوا وأنت؟ ولو قال لي: هل أنت أعمى؟ لقلت له: الأعمى معذور وأنت وش عذرك؟ ومن النكت التي يبتدعها قائلوها من الهواء الطائر وتدل على سرعة البديهة ويمكن استعمالها في أي موقف مشابه ما يلي: قال رجل لآخر: إن أجدادنا الأقدمين أذكى الناس فقد كشفت الحفريات حول آثارها أسلاكا مما يدل على أنهم استخدموا المبرقات! فقال الآخر: إن قومنا أذكى من ذلك فلم تعثر الحفريات على شيء مما يدل على انهم استخدموا المبرقات اللاسلكية! *** وشكا سائح بصوت مسموع في أحد الفنادق بأنه أمضى عشرة أيام وهو يجلس للصيد ولم يتمكن إلا من صيد سمكة واحدة, فعلى ذلك تكون هذه السمكة قد كلفته 500 دولار, فقال له كاتب الاستقبال: احمد ربك أنك لم تصطد اثنتين! *** كان أحد المرشحين للمجلس البلدي يطرق أبواب أهل الدائرة طالباً أصواتهم وكانت الأمور تسير على ما يشتهي حتى طرق باب رجل شرس المظهر فلما طلب صوته قال له أنا اصوت للشيطان ولا أصوت لك, فقال المرشح له إني أتفهم وضعك ولكن إذا قرر صديقك عدم دخول الانتخابات فهل أحسب على صوتك!؟ *** استلم موظف راتبه فكان فيه زيادة كبيرة غير معتادة فكتم الأمر, وفي الشهر التالي استلم مبلغاً يقل عن راتبه المعتاد فشكا إلى رئيسه. الرئيس: لم تسكت على الزيادة وتشكي من النقص؟ الموظف: أستطيع تجاهل غلطة واحدة أما تجاهل غلطتين متتاليتين فلا! *** وفي الأدب العربي مواقف كثيرة تبدو فيها سرعة البديهة فاصلاً بين الحياة والموت أحياناً ومن ذلك مثلاً:قال الأصمعي حدثني أبي قال أتى عبدالملك بن مروان برجل مع بعض من خرج عليه فقال اضربوا عنقه فقال يا أمير ما هذا جزائي منك قال وما جزاؤك؟ قال والله ما خرجت مع فلان إلا بالتطير لك وذلك أني رجل مشؤوم ما كنت مع رجل قط إلا غلب وهزم وقد بان لك صحة ما ادعيت به وكنت عليك خيراً لك من مائة ألف معك, فضحك منه وخلى سبيله,والله الموفق. [email protected]