تشعر أنك تعود إلى الحياة وقد خلعت عنك كل أعباء الحياة في رحلة الحياة ، إلى الحياة وانطلاق الروح إلى عالم الروح ، وذوبان المشاعر في المشاعر، وطواف الوجدان في الطواف، والسعي إلى آفاق الوفاء على خطى العرفان في كل شوط من السعي والتجرد الذي لا يجد ذاته إلا على صعيد عرفات حين تشعر بالذات تكتنفها الذات.. صاعدة في أصداء التلبيات إلى آفاق السماوات ، كأنها تستمطر الرحمات ، أوترتقي الدرجات، أو تحظى بشرارة خاطرة التجلي والمباهاة إنها الرحلة الاستثنائية التي لا يبقى في الذهن رحلة سواها، ولا يستقيم العمر إلا في أفيائها مهما تباعدت السنوات ، وتناثرت اللحظات، وتزاحمت الأمنيات.. إنه الحج.. وكفى. غفوت وفي عيني طيوف من المنى على عرفات الطهر أو أختها منى تراءت كيوم الجمع لا جمع غيره أرى فيه طوفان المشاعر مسكنا وألقاه لي أهلا وداراً وموطنا إذا لم تكن أرض من الأرض موطنا جفوت سنينا ثم أقبلت في يدي يقين بأني سوف أرتاح هاهنا وأني ستغشاني من الله رحمة فلا أكتسي سقما ولا أرتدي ضنى أمامي سبيل السالكين ذرا الهدى وخلفي سبيل لا أرى فيه ما أنا وحولي وفود الله من كل بقعة يلبون والدنيا تردد حولنا نكاد نرى فوق السحاب ودونه ملائك لبّت في السماوات مثلنا نخوض بحار النور في كل لحظة ونشرب إن شئنا كؤوساً من السنا ونفنى ولا نفنى.. وقد ذاب خافق من الوجد.. لكن كان بالله موقنا وكان قريباً من جلال جماله وكان جميلا في الجلال وقد دنى وكان حفياً في كمال نواله وكان نوالا.. فاض كالغيث ما ونى ورحنا من التكبير نرقى مدارجاً ولا نرتقي إلا إلى ظل ربنا وراحت مسافات الزمان قريبة توحد ما يبدو من الدهر أزمنا كأنا أتينا والخليل مؤذن بحج، وحب الله يجمع بيننا وفينا رسول الله: هدياً.. وسنة وميراث حق.. جاء بالحق معلنا مضيت أناجي.. والضجيج يزفني إلى جنة النجوى.. أسوق بها المنى وألقى بها صحباً وما خلت أنني سأختار صحباً أصبحوا زهرة الدنى وأبني من الآمال صرحاً أرى به سعادة آمالٍ تطيب لمن بنى وما زادني التكبير إلا تقرُّباً من الأفق الأ'لى فزدت تيقنا أرددها وحدي، وأصدح مثلما يرددها غيري.. وما مسنا الونى وما اختلفت فيها قلوب تآلفت وقد وحدت في ذروة الشوق ألسنا وطفت ببيت الله سبعاً كأنها هي العمر.. أقضيه هنا اليوم محسنا وكم خضت في لهو السنين ولغوها وكم قطفت عيني قطافاً هي الجنى فألفيت إحساس الطواف يعيدني وليداً جديداً.. يسفح الدمع أعينا