الحمد لله الذي أنعم علينا بهذا الدين القويم الذي أكمل به الدين وأتم به النعمة على هذه الأمة اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً فما من شاردة ولا واردة الا وكان لها في هذا الدين نصيب بما كان به الاسلام مضرب المثل في الشمول والتمام وما حظيت به هذه الأمة المحمدية بهذا الدين من سمو وخيرية كنتم خير أمة أخرجت للناس الآية. كما أخرس الله بهذه النعمة أفواه الحاسدين والمغرضين وأنطق بها ألسنة المنصفين من غير أهل هذا الدين بما يحمله من ألوية الكرامة والعزة والسؤدد للبشرية ويلوي أيادي أهل السوء ويخبىء أسنة الأذى والضرر بالناس فلا ضرر ولا ضرار والضرر يزال والمشقة تجلب التيسير الى غير ذلك من قواعد الكرامة لهذه الأمة المباركة. أعود فأقول ان موضوع سكني العزاب بمختلف أصنافهم وتنوع مشاربهم من عمالة وغيرها في الأحياء الآهلة بالسكان وبين مساكن العوائل أمر ذو بال لما يحمله من خطورة تهدد قرار السكنى للمتأهلين وتجعلهم في حيرة غير آمنين وتجلب لهم أسباب الضرر والمشقة الحسية والمعنوية. ذلك ان مساكن هؤلاء العزاب أفراداً أو جماعات في الغالب لا تخلو من أمور محظورة لغياب الرقيب بينهم مع توفر المادة ووجود الفراغ في أغلب أوقات راحتهم وما يشوب مجالسهم من محاذير شرعية واختلاف الجليس وما قد يشوبها من ساقط القول وسيء الفعل وكل هذه من أسباب جلب الشياطين ومن مسببات نزوع النفس الامارة بالسوء الى كل ما هو سيء واشتياقها الى مزلات الهوى ومغريات الشيطان، فتكون مرعى خصباً لأسباب المفسدة بما يهدد الاستقرار الأمني ويسبب خلخلة في الطمأنينة التي تنعم بها الأحياء وتصبح دور العزاب مصدر خطر ومضرة على مساكن المتأهلين وسببا من أسباب الفتنة ومظنة الاختلاء المحرم وحصول المحظور، وتلك من المضرة التي أمر الاسلام بازالتها ومنع أسبابها حفظاً لحقوق الجوار وحق المسلم على أخيه ودفع المشقة عن الناس, ولكن بعض أصحاب الدور هداهم الله لا يقدرون لحق الجوار قدره ولا لهذا الخطر جسامته ولا لهذه المضرة والمشقة أثرها على الآخرين من المتأهلين فلا يمانع من تأجير العزاب بين العوائل غير مبال بما يترتب عليه من آثار سيئة. وقد حظي هذا الأمر بالاهتمام منذ بداية الاسلام في المدينةالمنورة بعد مقدم المهاجرين الى المدينة فكان بعض الصحابة يسكنون الصفة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بانشائها وجعل لها مدخلا من مسجده عليه الصلاة والسلام ليأوى اليها الصحابة ويتعلمون العلم وينهلون من هذا الدين وكان العزاب منهم أيضاً ينزلون في دار معروفة قريبة من المسجد، والى هذا أشار شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الاستقامة ج 1 ص 361 يقول رحمه الله في حديثه عن الآداب الشرعية: وكذلك لما قدم المهاجرون المدينة كان العزاب ينزلون دارا معروفة لهم متميزة عن دور المتأهلين فلا ينزل العزاب بين المتأهلين وهذا كله لأن اختلاط أحد الصنفين أي الرجال والنساء غير المحرم بالآخر سبب الفتنة. فالرجال اذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار بالحطب، وكذلك العزب بين الآهلين فيه فتنة لعدم ما يمنعه، فان الفتنة تكون لوجود المقتضى وعدم المانع انتهي ما ذكره رحمه الله في هذه المسألة من هذا الباب. ولا ريب فان وجود دور العزاب بين العوائل فيه من المخاطر ما الله به عليم وقد أثبتت جهود الجهات المختصة ان كثيراً من القضايا الأمنية تحصل من هذا الجانب وازدياد شكاوى سكان الأحياء والمتأهلين من سكنى العزاب بينهم وما يلحقهم من ذلك من ضرر ومشقة أقلها مضايقتهم في أثناء دخولهم الى مساكنهم وخروجهم منها وكشف محارمهم وهذا غيض من فيض والمخاطر من ذلك لا تحصى. وقد عالجت التعليمات المرعية هذا الجانب الا ان القصور يحصل من المواطن نفسه سواء كان من أصحاب الدور التي يقومون بتأجير العزاب فيها بين العوائل أو من أصحاب دور العقار في حرصهم على تلبية رغبة المؤجر تاركين تبعتها على غيرهم وايماء لما أشار اليه شيخ الاسلام رحمه الله ولما يشتمل عليه هذا الحرص من مخاطر عظيمة واضرار بالناس فانه من المناسب طرح بعض الحلول المناسبة لحل المشكلة لعل منها. أولاً: ان يقتصر تأجير العزاب على المساكن التي تقع على الشوارع العامة والمساكن البعيدة عن الأحياء على ان تحدد مداخلها ويزال أي ضرر على المجاورين قبل تأجير العزاب. ثانياً: يمنع منعاً باتاً تأجير العزاب في المساكن التي يسكن فيها العوائل والعكس. ثالثاً: التأكيد على مكاتب العقار بعدم تأجير العزاب في المساكن الواقعة بين الأحياء، وكذلك منع تأجير العزاب في المساكن التي يسكن فيها عوائل أو العكس, وأن ينص ذلك بعبارة واضحة وصريحة في عقد الايجار. رابعاً: ضرورة التأكد من حال المستأجر عند تأجيره في مساكن بين الأحياء تفادياً لأساليب التغرير والتحايل من العزاب. خامساً: أن تكون عملية التأجير تحت علم ومتابعة الجهات المختصة لمعرفة ما يدور في هذه المساكن ومعالجة أية مخالفات في حينه لتوفر المعلومات عن المستأجر. سادساً: يفضل ان تطلى البيوت والمساكن المخصصة للعزاب بدهان موحد لمعرفتها وتسهيلاً على الجهات المختصة عند متابعتها ومما يقوي هذا المقترح ما أشار اليه شيخ الاسلام آنف الذكر بقوله كان العزاب ينزلون داراً معروفة لهم متميزة عن دور المتأهلين , وطلاء هذه الدور بدهان موحد متميز عن غيرها لا شك انه يميزها عن غيرها. وأخيراً فان الأمر جد خطير مؤملاً ان يحظى هذا الموضوع بعناية من يعنيهم الأمر والمصلحة العامة للمجتمع تقضي بالمسارعة في علاج هذه المشكلة باخلاء المساكن في الأحياء التي يسكنها العزاب، ومراعاة الضوابط المذكورة وغيرها مما تقضي المصلحة أخذها في الاعتبار في ذلك, , هذا ما تيسر ذكره في هذا الموضوع والله ولي التوفيق, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.