لولا أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ لهذه الأمة من رجالها دروعا تصمد أمام الغدر، وتسكت أبواق الناعقين، لغاصت في لجج من الفتن، ولولا أنه سبحانه قد وهبنا بفضله حكومة رشيدة مؤمنة لجرفتنا التيارات ولو أن صمتنا عن الرد على خائن رعديد، أو تركنا مثير الفتنة لنهشت في جوانب كرامتنا الضباع، ولأننا أقوى الأمم وأعزها بإذن الله في التزامها بنهج كتاب ربها أراد الحسود لعزنا انهداما ولشرفنا مهانة، لكن هيهات أن ينال ما أراد وفينا رجال ينافحون عن الحق بسواعدهم وأقلامهم. ونظرا لما نشرته وسائل إعلام مأجورة عن بعض رجال هذا البلد المخلصين، نشرت صحيفة الجزيرة في عددها (10196) الصادر يوم الاثنين 28/5/1421ه قصيدة للشاعر الدكتور عبدالرحمن بن صالح العشماوي حفظه الله بعنوان سهام المرجفين وقد صدرها قوله مع التحية إلى النخلة الباسقة التي تتكسر على جذعها سهام المرجفين، ومع التقدير إلى أبي فهد سلمان بن عبدالعزيز . وكعادة العشماوي في قصائده كانت سهام المرجفين سهاما ترتد لتصيب من ألقاها، كانت سهام المرجفين شعلة من مشاعر الفخر الصادقة,, كانت نارا تتوقد لتحرق ألسنة المأفونين، كانت نغما عذبا تغص بشربه حلوق الغادرين، وكانت شمسا أطلقت لتزيد الصبح نوراً، وحساما مصلتاً على رقاب الباغين. بدأ الشاعر قصيدته بحديث بينه وبين قريته عراء إحدى قرى الباحة وصف الشاعر في مساحة ثمانية أبيات صورة من أجمل الصور للغيث: يحدثني عن الغيث السحاب فاعلم أن منطقه الصواب وتغدو مزنة وتروح أخرى فيحدث في روابينا انقلاب وتبتسم الزهور لها احتفاء ويكشف عن مشاعره التراب وفي الأجواء الرائعة، عندما يدير الغيث بينه وبين الأرض حديث الغرام ,, هنالك,, عندما تثار مشاعر الأرض بعناقها للمزن ,, عندما تبتسم الزهور فتحتفي بلقاء الحبيبين هنالك وسط هذه المعالم الطاهرة تقع عراء قرية الشاعر ,, فتجلس كالحسناء في خدرها يلفها عن الأعين وشاح الضباب. هنالك، قريتي تغدو فتاة يواري حسنها عنا الضباب تراقبني بأهداب حسان يمتعني برؤيتها النقاب ثم لا تبخل تلك الحسناء على حبيبها فتمتعه بنظرة حب من عينيها الجميلتين، وبين قريته وحديث السحاب يغوص الشاعر في مشاعر غاية في الصدق والدفء، وتستبيه هذه المناظر الرائعة,, غيث يهطل، وتل يربو ويزهر,, وزهر يبتسم، وهنالك الماء يعذب,, عندها تصغر الدنيا أمامه فيشق بزورقه بحور الحياة غير آبه بالعبارة، وفي قمة هذه ,, أمحب أنت,,؟! لا بل أنت والله كذلك,, لكن ، من؟! فيأتي الجواب عاجلا، أحبك أنا,. أحبك والرياض فمنك شهد لقافيتي ومن تلك الرضاب لماذا؟,. هنا رتع الصبا غضا نديا وفي جفن الرياض نما الشباب ,, بقافيتي احتفاء وبينكما مجيئي والذهاب ولأنكما كذلك أسرجت من شعري الأصيل خيلا، وانطلقت بها إلى الرياض,. هنا من قريتي أسرجت خيلا من الشعر الأصيل لها انصباب بها واجهت في الميدان قوما قشور الوهم عندهم اللباب وناديت الرياض ونهر شعري يكذب ما يروجه السراب والشعر الاصيل عند العشماوي الصادق، كما هو الحال عند الشاعر، وأخلق بذي صدق أن يقول صدقا, ويدخل الشاعر في الموضوع الرئيسي للقصيدة، وهو الرد على مروجي الأكاذيب، قاصدين النيل من شموخنا,, يقول: إليك يا رياض قدمت فارسا جاعلا الشعر الأصيل جواداً، وفي ميدان الحياة واجهت قوما وصفهم بأنهم قشور الوهم عندهم اللباب، كناية عن ضعف عقولهم وبصائرهم وقصرها، خاطب الشاعر الرياض يناديها ويكذب نهر شعره الصادق الصافي ما يروجه السراب وفي وصفهم بالسراب دليل على انعدام شأنهم ومعارضتهم للحقيقة، أفرأيت سرابا صدق الظمآن يوما,,؟! رياض حولها اجتمعت بلاد أمام شموخها تهوى الصعاب لقد رويتها بحنين قلب وفيّ بالضغينة لا يشاب ايا رياض الشموخ إليك قوافي، واسمعي لشاعر وفيّ لمجدك وفي لدينك، وفي لحبك، إن في قلبه حبا صادقا وصفاء وإنه بالضغينة لا يشاب . رياض الحب غردت القوافي لأن الحق في دمها مذاب أتتك وفوق راحتها زهور وللألحان في فمها انسياب أرياض الحب اسمعي لتغريدي ,, واصغي لبلابل شعري حين شدت,, ففي شعري حق مذاب وخذي من يدي شاعرك أزهار حب،ومن فمي ألحان حق لها انسياب: رياض الحب أخفقت الدعاوى ومزق ثوب ظلمتها الشهاب سهام المرجفين بها انكسار فليس سوى حناجرهم تصاب رياض الحب,, أيريدون النيل منك؟! كلا وربي,, فقد أخفقت الدعوى,,وما صدقت وظلمة الليل يمزقها في الليل نور الشهاب,. رياض الحب,, لأن أطلق المرجفون نحوك سهامهم، فبسهامهم انكسار، وإن روجوا حولك وقالوا,, اعلمي أن كيدهم لابد صائبهم، فأنت أمنع من أن تهزك دعاوى الكاذبين. وقدتتعدد الآراء فينا وتختلف المسالك والشعاب وما ضر العباد خلاف رأي وما ضاقت بساكنها الرحاب ومايدعو إلى الغدر اختلاف فكل حسب نيته يثاب وهكذا مبدؤنا,, نحن على الحق أينما كان,, وكيفما كان,, نحن على الحق وإن كثرت حولنا الدعاوى,, وإن تعددت الآراء,, أنغدر؟!! لا وربي ما هذا من شيمنا,, على العقيدة الصحيحة نشأنا,, وعلى المنهج السليم تمضي حكومتنا ولا تخادع,, ولا تغدر ,, ولا تنافق,, نحن أهل أرض لم تعرف الغدر يوما أفنغدر الآن؟ نحن أهل أرض ناصحة نهدي بهدى الله الضال المسيء، ونأخذ بيد الصالح ونمضي معه إلى الصلاح,, نحن أهل أرض سقينا الوفاء من سماحة ديننا,, نحن أهل أرض نعلم أن إلى ربنا سنرجع وكل حسب نيته يثاب. ثم يعود الشاعر ويوجه حديثه لمن يسعى ليبلغ بسهامه الواهنة حدود مجدنا,, فبعدا له إنه لن يصل,. أقول لمن ينام على سرير من الأحقاد قدوته الذئاب سهامك صوبتك فمت ذليلا وعند الله ينكشف الحجاب أيها الواهم الذي بنيت من احقادك للغدر كوخا حقيراً، قدوتك الذئاب,, أطلقت سهم الفتنة,, وهيهات أن تصل سهامك,,, إليك ما أطلقت ومت بحقدك ذليلا فغداً عند ربنا ينكشف الحجاب. ويزيد العشماوي المعاني روعة حين يأتي بحكمة تعمق المعنى وتزيد النظم حلاوة. فبعض الناس غيبته حضور وبعض الناس محضره غياب وأنت أيها الكذاب الأشر,, لا شيء,, ولأنك كذلك,,نيران حقدك تشتعل، ثم يدفعك غيك لتنشر ما ترومه نفسك الخبيثة، لكن,. أتنسى أننا أتباع دين بهدي كتابه اكتمل النصاب لنا من ربنا نعم عظام يسيل على حلاوتها اللعاب فلا عجب إذا ألقى حسود حبائله وداهمه اضطراب وكم قول يروجه حسود وأصدق ما يردده كذاب أنسيت أننا أتباع دين الله,,؟ أنسيت أنا ملكنا الأرض بالتزامنا؟ أنسيت أن كتابنا أكمل الكتب وديننا أكمل الأديان؟ لنا أيها المدعي من ربنا نعم عظام وهبنا الأمن ولا أمن لك، وهبنا الكرامة ولا كرامة لك وهبنا الشرف والمجد ولا مجد لك وهبنا نعما لو أردنا حصرها ما استطعنا، فلا عجب ان تحسدنا وغيرك ولا عجب أن روجت الأكاذيب، وفي إتيان الشاعر بكلمة كذاب على وزن صيغة فعال غاية تؤكد اشتمال الكذب على كل حديث الحاسد ثم يعود الشاعر مرة أخرى ويفخر. لنا في أرضنا شيم عليها سما قصد وعز بها الجناب شمائل من مكارمنا تغذى بها الشيب الأكارم والشباب إذا شدت البلابل أطربتنا ويزعجنا إذا نعب الغراب أتقدح في سمو أخلاقنا؟ إذن فاسمع، لنا في أرضنا شيم سامية وأخلاق ومكارم تغذى بها الشيب والشباب تطربنا البلابل إن شدت وتمج أذواقنا نعيب الغرب. وللمصداقية يستدرك الشاعر على فخره لينفي عنه عصبية الجاهلية ويقول: ولسنا كالملائكة اصطفاء ففينا ما يرد وما يعاب رغم كل سمونا ورغم كل شمائلنا وأخلاقنا نبقى كباقي بني الإنسان فينا ما يرد وما يعاب لكن,. ولكن ما لنا في الغدر كف مدنسة ولا ظفر وناب ونعلم أن دنيانا ستفنى وعند صراط خالقنا الحساب لسنا غادرين أبداً، ولا ثم لن تدنس أيدينا بأوحال الرذائل,, فإنا نعلم أن دنيانا زيف وسوف تفنى وأنا سنسأل وعند صراط خالقنا الحساب ثم يعود الشاعر مرة أخرى ويخاطب الرياض: رياض الحب إن شرق الأعادي بمبدئنا فقد خسروا وخابوا لقد نسبوا إلينا الغدر لكن إليهم لا إلينا الانتساب يطيب لأسود القلب التجني ويشوى عند جاهله العقاب أيا رياض الحب,, خسر الأعادي فمبادئنا أرفع وأسمى من أن تصل إليها سهامهم,, قالوا: نسعى نغدر! عجبا لهم أيغدر من يملأ قلبه إيمان؟ بل إليهم لا إلينا الانتساب والقلوب البيضاء الصافية لا تعرف إلا الصدق والحب. ويستمر العشماوي بتدبيج أبياته بالحكم: يطيب لأسود القلب التجني ويشوى عند جاهله العقاب وكم صور على بعد نراها مغبشة يوضحها اقتراب ثم يعود مرة أخرى,, وأخرى لينفي الغدر عن بلاده، ونفوسنا الملتزمة يقول: ينزهنا عن الغدر التزام بمبدئنا ويرشدنا الكتاب ويغرس منهج الإسلام فينا يقينا لا يخالطه ارتياب وفي النفس الكريمة ألف باب لهمتها وما للغدر باب رياض الحب قولي أو دعيني أقل فالحر غايته الصواب إذا صفت المنابع عند قوم فقد طابت مشار بهم وطابوا ولا أعتقد ان أبياتا مثل هذه تحتاج لتعليق ففيها الجمال الذي يجعل القلم يقف عند بلاغتها عاجزا وكذلك كل القصيدة,, وحقا,. إذا صفت المنابع عند قوم فقد طابت مشاربهم وطابوا أخيرا ,, أخلص من هذه الوقفة مع سهام المرجفين إلى أمور: 1, الرقة الواضحة في شعر العشماوي، والتي لا تتعارض أبدا مع الجزالة والرزانة في وصف الكلمات لتخرج المعاني مناسبة عذبة. 2, المشاعر الصادقة والإيمان الراسخ اللذان تتضح بهما القصيدة، وكذلك النهج الإسلامي الملتزم في الكتابة. 3, المصداقية التي حوتها القصيدة، ففخر الشاعر ببلاده ليس نابعا من عصبية الجاهلية، بل سببه الأول التزام بلاده بمنهج الكتاب الصحيح، حيث نفى عنها وعن نفسها الغدر حين سموا بأخلاقهم عن الرذائل مع كونهم بشرا يخطئون. 4, تحمل القصيدة الكثير من المبادئ التي نشأ عليها الشاعر كما نشأ عليها معظم أهل هذه البلاد. 5, وأخيراً,, الحكمة التي تنم عن عقلية مجربة، وإنسان عامل الدنيا وعرفها، فقد وشّى العشماوي قصيدته بحكم لا تزيد ما نظم إلا جمالا وروعة فوق ما هي عليه. نهاية لقد أبدع العشماوي,, وأبدع,, ثم أبدع أخرى، وبحق كانت سهام المرجفين ردا من أبلغ الردود على من يفكر مجرد تفكير أن ينال من بلادنا وسمعتها الطاهرة. وبحق كان العشماوي درعا لأمته كما عهدناه,, فبوركت يادرع الأمة. دلال بنت هواش العنزي