ننظر إلى التعديات عادة بوصفها حالات عادية وعابرة، قد يتم في حال وقوعها تشكيل لجنة!!..أي لجنة من هذه اللجان التي باتت أكثر من الهم على قلب المسكين، وربما تنحصر نظرتنا إلى هذه التعديات بأنها من قبيل قضايا محاولات الاستيلاء على أجزاء من الأراضي الزراعية حتى وإن كانت بؤرا أو السكنية وإن كانت نائية لا أمل في انتعاشها اقتصادياً. أما الآن فإن التعديات لم تعد من هذا القبيل إنما باتت أكبر وأخطر بل تعددت أنواعها وتلونت درجات خطورتها، فلم يعد التعدي على مال أو أرض إنما يتجاوز هذه الحدود إلى الأعراض والممتلكات الشخصية، وما في البيوت، أو ما يحمل في الجيوب أو الحقائب. فالسبب الأول لتزايد هذه التعديات بلا مواربة أو مداهنة هو تواضع العقوبة المطبقة على المتعدي ومحدودية تأثيرها لا سيما إذا ما نظرنا إلى شناعة الجرم في بعض حالات التعدي. إذا نحن بحاجة إلى نظام جديد يواكب هذه التحولات الخطيرة في حياة وسلوك الناس في زمن باتت الجريمة تنقل على الهواء، والسطو يمكن أن يتم التدرب عليه من خلال أي وسيلة إعلامية، فلم نعد قادرين على لملمة الوضع وحصر التعديات بلجنة بسيطة من المتعاونين أو المتقاعدين الذين يرون الأشياء من منظور الإصلاح والردع للمتقدم أمتاراً بسيطة على شارع أو طريق زراعي أو مزاحمة جار أو تكسير متاريس أو ما إلى تلك التجاوزات التي قد تكون بسيطة إذا ما نظرنا إلى حجم بعض التعديات الخطيرة على ممتلكات الناس أو أعراضهم. ففي بعض الإحصائيات التي نتمنى أن تكون متشائمة أو مبالغ فيها أن هناك مئاتا من ضحايا التعدي التي تقع كل يوم على الأعراض والأطفال القُصَّر، والنساء اللائي لا حول لهن أو طول، فيما لا يزال نظام التعديات واقفاً يتفرج بل ومحصوراً في خانة التعديات على الأراضي البؤر كما أسلفنا. لم يعد لنا أن نرمي بمثل هذه القضية على العامل الأجنبي الوافد إلينا حيث تنحصر إجراءات العقوبة لانتهاك حرمة البيوت الآمنة على سبيل المثال أن يوقف في أي قسم ومن ثم يرحل بلا أدني عقوبة، بل ربما يتمتع في مدة حجزه بكامل الحقوق التي قد لا يطالها وهو في الشارع، فمن الضروري والحتمي في الجانب الآخر من هذا الأمر أن ننزه الكثير من الإخوة الوافدين الذين نتسامى ونفخر بهم وبأخلاقهم وقيمهم. والأخطر من هذا وذاك أننا لا زلنا نصنف قضايا التعديات بأنواعها على أنها قضايا نظر قابلة للأخذ والرد وهذا خطأ فادح إذ تستدعي الضرورة البت الفوري في قضايا التعدي لا سيما باب الجرائم التي قد يقترفها بعض المواطنين.. فهؤلاء ليسوا منزهين أو فوق القانون أو خارجه أو في دائرة تأثير الواسطة. فمن الأجدى تفعيل نظام العقوبة وصرامة الردع لهؤلاء المتعدين دون أن ننتظر رأي لجنة أو إخضاع البعض إلى دراسات أو تقويم، لأن الأمر لا يحتمل هذا التأني، وأهم من هذا وذاك هو مضاعفة العقوبة على من تثبت شناعة جرمه وهذا أقل ما يستحق. [email protected]