ولدي الغالي.. في هذه الأيام وأنت تتمتع بالإجازة، وتنعم بالفراغ، ولديك فسحة من الوقت.. حاول أن تعيد ترتيب أوراقك من جديد، وتقرأ ذاتك مرة أخرى وبعين الناقد البصير، لترى ماذا تحقق لك من إنجاز شخصي خلال الفترة الماضية من عمرك الذي أسأل الله عز وجل أن يطيله وبعمل صالح مقبول، لتسأل نفسك بصدق، هل أنا بالفعل أسير على الطريق الصحيح، وما هي العقبات التي حالت دون تحقيقي لما كنت أخطط له؟ هذا على افتراض أن لك هدفاً نهائياً واضحاً وأهدافاً على المدى القصير دينية ودنيوية هي أيضا واضحة ولا تتنافى مع الغاية النهائية التي تنشدها، ليس هذا فحسب بل إنك قد خططت جيّداً للوصول إلى هذه الأهداف سواء على المدى القصير أو المتوسط، والأجمل أن يكون لك خطة طويلة المدى، خمس سنوات وقد تصل إلى عشر سنوات وربما العمر كله، الشاهد أن الإنسان العاقل منا في مثل هذه الأيام يعيد عجلة الزمن ليعرف أين هو من أهدافه وخططه وطموحاته ويتوقف مع العقبات ليعيد المحاولة مرة أخرى بعد أن عرف حجمها، وأبعادها وأهم معالمها، وجزماً بعد عون الله وتوفيقه سيجتاز ما قد يعترضه من جديد وسينال ما يطمح له، إذ إن لله عباداً إذا أرادوا أراد، وصدق الله القائل { إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}. ليسأل كل منا نفسه هذه الأسئلة الهامة والرئيسة في مسار الحياة وطريق النجاح: هل أعرف من أنا (قدراتي، مكامن القوة عندي، مواطن الضعف في شخصيتي). هل عملت على اختيار المسار الحياتي الذي يتلاءم مع شخصيتي التي خلقني الله عليها. هل أجهدت نفسي في تعزيز مكامن القوة ومعالجة نقاط الضعف حتى أصل إلى الشخصية التي أتمنى أن أكون عليها. هل حددت هدفاً واضحاً لي في الحياة أستطيع أن أحققه بناء على ما أملك من قدرات وما أتمتع به من مهارات يمكن تنميتها وتطويرها مع الزمن. هل خططت جيداً ورسمت خارطة الطريق للوصول إلى ما أطمح إليه، إذ إن من يخطط ويفشل في الوصول للهدف أفضل بكثير من أولئك الذين لا يخططون أصلاً. هل تعرفت على العقبات ودرست المعوقات ومن ثم رسمت وحددت الآلية الصحيحة لتجاوزها. هل اخترت الأصدقاء الذين يكونون عوناً لي في طريق النجاح الشاق ويساعدونني في تجاوز العقبات والوصول إلى القمة التي أطمح تنسّمها عن قريب. هل قرأت في سير الرجال لأتعرف كيف يبني الإنسان نفسه في خضم معركة الحياة. هل كنت مع الله في الرخاء ليكون الله معي في الشدة. إن الفرق بين رجلين أحدهما يبني قراراته وتنبعث آراؤها عن تفكير وتخطيط وشخص آخر كل شيء عنده وليد اللحظة وابن الصدفة.. فرق كبير جداً، والكثير منا وللأسف الشديد هو من النوع الثاني لا هدف، لا تخطيط، لا معرفة ولا علم، بل إننا نجهل ذواتنا ولا نعرف أنفسنا معرفة حقيقية وواضحة، ومتى ما جاءنا من يذكرنا بنا زجرناه وربما قاطعناه، ولذلك نلحظ ارتجالية قراراتنا وآنية تصرفاتنا وسرعة نكوصنا وعجزنا وضعفنا وقلة حيلتنا بل وهوننا أفراداً وجماعات على الناس، فالأمة والأوطان هي أنا وأنت وهو وهي فلو كان كل منا رجل من الطراز الأول « النمط الحضاري» لكان المجموع والنتيجة أمة قوية تعرف قدرات أبنائها ومهاراتهم ولديها الخطط الواضحة لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ولنا في الأمم الأخرى خير دليل وأوضح برهان. ولدي الحبيب..إن نفسك التي بين جنبيك أعز من سيارتك، أو مكتبك، أو جهازك المحمول، أو غرفتك الشخصية، أو... التي تعيد ترتيبها بين الفينة والأخرى فكن كما أمل أن تكون، وحدد بوصلة مسار حياتك بدقة فما تضعه اليوم ستجدها غداً بإذن الله وإذا زرعت فستحصد وإلا ستصبح عالة على الغير، اضبط خطواتك وأنت تسير إلى الأمام، وسر على بركة الله وعين الله تكلؤك وترعاك، والله أسأل أن يوفقك ويسدد على الخير خطاك وليكن لك موعد مع شهر رمضان الكريم بنفسية المؤمن صاحب الشخصية الحضارية العارفة والواعية والقادرة على تجاوز العقبات وتخطي التحديات وإلى لقاء والسلام.