لقد خطا مجلس التعليم العالي خطوات جبارة في توسيع قاعدة التعليم العالي، وتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم العالي وحاجة سوق العمل، وذلك في ظل المعطيات الخيرة التي بذلتها وتبذلها الدولة - وفقها الله - في سبيل توفير فرص التعليم على مختلف مستوياته وتخصصاته. ولقد كان لتزايد أعداد الطلاب والطالبات، وتنامي أعداد خريجي المرحلة الثانوية، وما ترتب على ذلك من زيادة الطلب على التعليم العالي، دور كبير في تشكيل منظومة من التحديات والصعوبات التي واجهت مجلس التعليم العالي قبل سنوات عدة. فهناك مشكلة القبول واستيعاب المؤسسات التعليمية أكبر قدر ممكن من خريجي وخريجات المرحلة الثانوية، ولكن سرعان ما واجه حل جزء من هذه المشكلة بروز مشكلة أخرى هي ضعف مواءمة مخرجات هذه المؤسسات مع متطلبات التنمية وسوق العمل، وفي محاولة جادة لحل هذه المشكلة ظهرت إلى جانبها مشكلة أخرى تتمثل في أهمية جودة التعليم وتحسين المخرجات. إنَّ تلك القضايا الثلاث مترابطة وتتطلب حلولاً متأنية وشاملة، وهذا ما عمل عليه مجلس التعليم العالي خلال السنوات الخمس الماضية لإيجاد حلول لها. لقد قام المجلس بخطوات كبيرة وبتوجيهات كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رئيس مجلس التعليم العالي؛ لإيجاد الحلول الملائمة لهذه القضايا المهمة.إنَّ حل قضية القبول وحدها لا يكفي، وإن كانت هي الظاهرة على السطح؛ وذلك أن حلها يتطلب حل القضايا الأخرى المرتبطة بها وهي: قضية المواءمة، والجودة، والدعم المالي. وفي سبيل حل هذه القضايا اتجه المجلس إلى العمل على توسيع قاعدة التعليم العالي، وانتشاره في مختلف مناطق المملكة؛ لذلك تم إعداد الدراسات الاستراتيجية اللازمة، واتخذ المجلس التوصيات الضرورية لزيادة عدد الجامعات؛ فارتفع عددها إلى (24) جامعة حكومية و(9) جامعات أهلية؛ فمن المعلوم لدى الجميع ما كان يعانيه أبناء المناطق الحدودية من مشقة في التنقل والاغتراب للدراسة في الجامعات المتواجدة في المدن الكبيرة. كذلك ما يعانيه أبناء تلك المناطق من جراء السفر للدول المجاورة للدراسة في جامعاتها، وما يتعرضون له هناك من مضايقات، أو محاولات للتأثير على توجُّهاتهم الدينية أو الفكرية أو الاجتماعية. ولكن بفضل الله ثم بالدعم السخي من لدن حكومتنا الرشيدة أصبح لدينا جامعة قائمة بكلياتها وأقسامها في المنطقة تستقبل طلابها وطالباتها ليتلقوا العلم والمعرفة وهم بين أهليهم وذويهم. وما تحقق هو أحد الإسهامات التي قام بها مجلس التعليم العالي لحل قضية القبول في هذه المنطقة. لقد وعد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإنشاء جامعة في كل منطقة، وأوفى - حفظه الله - بوعده. أما ما يتعلق بالمواءمة بين مخرجات التعليم العالي وحاجة سوق العمل فقد تم التركيز على التخصصات الحيوية التي تتطلبها التنمية مع تقليص القبول في التخصصات التي يوجد فائض في خريجيها، ويمكن ملاحظة معالجة هذه القضية من خلال أسماء الكليات التي تم اعتمادها في الجامعات؛ حيث يتضح أن جميع الكليات التي وافق عليها مجلس التعليم العالي خلال السنوات العشر الماضية هي كليات تطبيقية وتتواءم مخرجاتها مع حاجة السوق. أما القضية الثالثة، وهي التي تتعلق بالجودة العلمية، فلا شك أن قرار المجلس بإنشاء هيئة وطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي وسيلة متقدمة لضبط معيار الجودة في جامعاتنا، ثم ما تلا ذلك من قرارات تقضي بإنشاء عمادات، أو مراكز، أو وكالات، في الجامعات تُعنى بالجودة والتطوير الأكاديمي، إضافة إلى الوسائل الأخرى الخاصة بكل جامعة للعناية بالجودة. إن ذلك يؤكد أن مجلس التعليم العالي بذل جهوداً حثيثة لحل هذه القضايا، وحقق إنجازات جيدة - ولله الحمد - بهذا الخصوص. نعم بادرت الجامعات بالاهتمام بتحقيق معايير الجودة في مخرجاتها، وذلك من خلال الاهتمام بأعضاء هيئة التدريس ورفع كفاءتهم العلمية من خلال البرامج والدورات والاشتراك في المؤتمرات الداخلية والخارجية، كما حرصت الجامعات على تطوير القدرات المهنية للموارد البشرية لتحسين جودة مخرجاتها؛ وذلك لكي تتمكن من الانطلاق في مشوارها العلمي والحضاري من خلال الأهداف التي أُنشئت من أجلها. كلمة أخيرة: مقولة إنَّ جامعاتنا تمتد من الماء إلى الماء مقولة صادقة وحلم تحقق على أرض الواقع، وهذا لم يتحقق لولا توفيق الله ثم الدعم الكبير الذي يلقاه قطاع التعليم العالي من قِبل خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني، وبإشراف مباشر من قِبل معالي وزير التعليم العالي ومعالي نائبه. [email protected]