وأنا أحاول جمع شتات خيوط جل ما قيل على مدى أسابيع سابقة عن أمر التحرش ومسبباته وسبل علاجه من خلال التحرك المعرفي الواعي نحو البحث عن حل ناجع يوقف فصول هذه الجريمة وتداعياتها المحتملة، بل ومن أجل معرفة أبعاد هذه المخالفة.. وهل تراها حالة فردية يمكن السيطرة عليها أما أنها أضحت ظاهرة قد تستعصي على الحل؟ فالذي يتبلور الآن ويذاع على الملأ من خلال العديد من الرؤى أن سر هذه القضية التي باتت تتعاظم وتتكشف أنها لم تكن محلية خاصة بنا إنما أضحت حالة عالمية يعاني منها العرب وغيرهم حيث يعيدها أحد الباحثين من مصر وهو الدكتور أحمد برهان في خلاصة بحثه حول ظاهرة التحرش إلى الهياج الفضائي وقنواته التي تؤجج همم بعضهم وتوتر طاقاتهم بشكل خاطئ ومؤذ على نحو التحرش الجنسي بالصغار والنساء. ففي خضم البحث عن ذروة أو لحظة تنوير مهم لهذه القضية الأليمة في مجتمعنا على وجه الخصوص وحينما كنت شخصياً مع أسرتي في احد الأسواق التجارية لا أقول للتسوق بشكل مطلق نظراً لفداحة الغلاء وارتفاع الأسعار، فقد يكون الأمر تناول العشاء فقد لفت انتباهي رجل لم يكن في سن الشباب إنما يقترب من المشيب حيث تشي بكبره تغضنات ملامحه، إلا انه مازال فيما يبدو يقاوم من خلال فرضية «التزقرت أو الكشخة أو التميلح» أمام الناس، فقد قال الرجل على الملأ عبارة شعبية شهيرة حينما دخل في تجاذب مع حراس المركز التجاري ليؤكد لهم وكأنه يود أن يستعطفهم أو يقلل من أهمية وخطر وجوده: - (يا إخوان .. أنا ما جيت هنا إلا لأكحل عيوني !!) بمعنى أن سيفترس بنظراته من يشاء من النساء والأطفال!! وربما هذه العبارات هي إرهاصة أولى من إرهاصات التحرش التي نرى جموحها الآن وهياجها بشكل سافر. وطالما أننا في موازاة هذه المشكلة فإننا قد نتوقف عند رؤية هذا الباحث، حيث يعيد الدكتور برهان أسباب هذا التكاثر وتحوله من سلوك طائش وآني ونادر الحدوث إلى ظاهرة باتت تقلق الناس في الشارع والأماكن العامة، فقد خلص إلى أنه من أسباب هذه التطورات الشعورية المتفلتة هو كثرة أو إدمان مشاهدة القنوات الفضائية التي ربما تهيج الشعور لدى الشباب ولا سيما ممن هم دون الثلاثين عاماً. فطالما أن المشكلة في مصر وفي القاهرة على وجه التحديد وهي العاصمة العربية التي تعد منفتحة على الكثير من الثقافات والتيارات المختلفة منذ عقود، فكيف بنا نحن في مجتمعات باتت حديثاً ترمي بقيم البداوة والمحافظة وترتدي أزياء تنكرية، أو ربما تزهد في كل ما هو تقليدي؟! لتصبح الحالة مسوغاً لهذا التعدي اللا أخلاقي الذي قد يتفاقم إلى حالات من التحرش تبدأ لدينا من مقولة (تكحيل العين) والذي يعد كما أسلفنا إرهاصا أوليا لحالة الإيذاء والتعدي على الذوق العام. نحتاج إلى مركز دراسات لهذه الحالة وتوثيقها ورصد ما قد يجد من ظواهر أخرى غريبة ومؤذية، والاستفادة من مثل هذه الدراسات على نحو دراسة الباحث برهان، وكذلك معرفة قوانين ولوائح العقوبات ضد هؤلاء المرضى وطريقة محاكماتهم، ولتكون معاقبتهم أمام الجميع لعلها تكون رادعاً لمن يتجاوز حدود السلوك الإنساني المتوازن. [email protected]