أن تُدير سيارتك على مهل وبحذر مبالغ بلا تفكير أو طرق لأبواب الهواجس من فرضيات أن تصطادك عدسات المرور، أو حبائل «ساهر» أو زحام الشوارع واختناقاتها المؤذية.. فقيادتك الحكيمة تكمن بأنك تقود بهدوء مصطنع مركبتك طبعاً ليست الفضائية إنما «الهايلكس غمارتين» منتهية الفحص والاستمارة والمؤجلة حتى موعد صرف الراتب، لتصلح المَسَّاحَات وتستبدل بالزجاج آخر نصف عمر، وتبحث عن إطارين ربع عمر بدلاً من الإطارين الخلفيين المسحولين منذ أمد! القيادة الحكيمة أن «تطنش» كل فكر أو نقد لحالة الشوارع والإشارات والأرصفة وإغلاق المسارات، بل وتتنبه وتتحرز جيداً من عدسة ما تتربص فيك.. فقد كنت في السابق حذراً من المفحطين والمتهورين، أما الآن فإنك إلى جانب خشيتك من هؤلاء المجانين بت تخشى ظلم من سيساويك بهم. القيادة الحكيمة أن تخوض صراعاً في قيادة سيارتك إلى جوار هؤلاء السائقين الوافدين الذين جاء جلهم ليتعلم القيادة لدينا، فلا داعي إذن إلى ادعاء الحكمة في قيادة اختلط فيها الحابل بالنابل، فلم تعد تميز بين عامل جاء بتأشيرة سباك وتحول بلمحة بصر إلى سائق حافلة تحمل أطفالاً أبرياء. القيادة الحكيمة أن تضع يدك على قلبك وتستشعر حاجته للإنعاش وأنت تدير شؤون أسرتك.. تعلم من حولك فنون الممكن المتمثل في أننا قد نكون على الرصيف في أي لحظة قد تغدر بك فيها البنوك التي ترتهن بيتك الصغير.. بالطبع البنك العقاري وبنكان آخران أو ثلاثة تكبلك بقروض التمظهر بأنك بت رجلاً كالرجال وتتظاهر بأنك ملكت بيتا وهو مرهون على مدى ربع قرن قد لا تهنأ بتحرره إلا بعد الرحيل في ذمة الله. القيادة الحكيمة أن تتظاهر بأنك تدخر وتوفر وتعدّ العدة لزواج ابنك ومساعدة زوج ابنتك على تأثيث شقته في وقت تكشف سوءة قيادتك المالية الرعناء، فتصبح حالة نشاز في عالم لا يأبه بأحد. القيادة الحكيمة أن تصبر وتصبر على سعائر الأسعار وغلاء المعيشة رغم نسبة الإسعاف (15 %)؛ لأن الفواتير لا تقبل أي قيادي لا يدرك أنه بات له أن يضيء شمعة أو فانوسا أو ينصب الزير أو يعاود الرحيل إلى ما بقي من قرى نائية ليندغم وسط هؤلاء الهاجسين دائماً بقرب الفرج، ولكن هيهات. القيادة الحكيمة أن ترتدي وشاح الأمل المهترئ، وتزعم أن الأسعار في طريقها للتراجع مع هبوط الين وتدهور صرف اليورو، والدولار، ولا مانع من أن تُعَرِّج في الأحلام على الجنيه الإسترليني الذي بات هرماً. باختصار شديد ودون مواربة أو تظاهر بمغريات الحكمة فإن قمة نجاحك تكمن في براعتك في قيادة حذائك.. فهذا الفعل هو أعلى مرتبة للقيادة وحسن الإدارة لديك. أما قيادتك غير الحكيمة فإنها تتمثل في جأرك بالشكوى أو «البكوى» أو حتى المناحة لهول ما ضاع من جهد تحسبه قيادة حكيمة لأغلى ما تملك.. فإزاء ذلك آن لك أن تكتشف في آخر المطاف أن نجاحك في القيادة مجرد زعم فحسب. [email protected]