أطلت سحابة بركانايسلندا بما تحمله من رماد بركاني علينا في المغرب الشقيق، فتوقفت الرحلات، واحتجز بعض من المسافرين في المطارات، وعادت بي الذاكرة الى الوراء لأتذكر ذلك التأثير والتأثر بين العرب والأوروبيين عبر العصور الخوالي، وكأن هذه السحابة التي حرمت المغرب من إطلاق رحلاته الى العالم الآخر أو استقبال القادمين إلى أراضيه، تذكرنا بذلك الماضي الذي شهد الكثير من المد والجزر والسعادة والحزن، والتقدم والتراجع في العلاقات العربية الأوروبية. ذكرتني سحابة البركان ببداية قدوم الروم الى أرض المشرق العربي واحتلالهم لها، ومن ثم زوال امبراطوريتهم ثم توسع المسلمين في المشرق حتى كان لهم موطئ قدم لا بأس به في أوروبا، وعادت بي الذاكرة الى المغرب والأندلس، وكيف كان ذلك التزاوج العجيب بين المسلمين من عرب وبربر ومولدين وبين سكان الجزيرة الايبرية من قوط وغيرهم من الأقوام النازحين، الذين جاؤوا الى حيث منابع العلم في قرطبة، واشبيلية وبطليموس، والبيره، ومارقه، ولورقه، ومرسيه، وشلب، وغرناطة، والجزيرة الخضراء، وشنتمريه، وطليلطة، وتطيله، وغيرها من المدن الأندلسية. ذكرتني سحابة البركان بعهد عبدالرحمن الأوسط بما حمله من إشراقات مضيئة، وكيف كان للسفير يحيى الغزال من حسن في المقال ودعابة مع ملك الروماند وزوجته التي سألته عن المشيب، فقال لها: ألم ترين فرسا أشهب منتجاً، ثم احضرت له الخضاب فاختضبت، ودار بينهما حديث لا يصلح إيراده لما فيه من عبارات لا تتفق مع الذوق العام. ذكرتني سحابة البركان بعبدالرحمن الناصر الذي حكم الأندلس خمسين عاماً بعد أن كادت أن تتقطع بيد أهلها، فما لبثت أن عادت الى إشعاعها، فتكالبت الوفود الأوروبية عليه طالبة وده والتقرب إليه، وكانت وفودهم تحضر معها عدداً غير قليل من التلاميذ للدراسة والاستزادة ليعودوا بشيء من العلم الذي صنعه اولئك الرجال، أو حملوه وصاغوه وحسنوه مما جادت به علوم اليونان. ذكرتني سحابة البركان بالخليفة الحكم المستنصر بن عبدالرحمن الناصر الذي أسس جامعة قرطبة وأشغل نفسه وأبناء دولته بالعلم وقراءة الكتب حتى تنافس فيها أبناء الملل الأخرى والنساء جنبا إلى جنب مع رجالات البلاط والعامة من الرجال. ذكرتني سحابة البركان كيف كانت قوية تلك البلدان بفضل ما نقلناه لهم من علوم، وكيف استطاعوا بعد قرون القدوم الى أرضنا مستعمرين، حاملين معه ثقافتهم فشربنا منهم اللغات حتى كادت أن تزول لغتنا وتفنى، غير أنهم لم يحملوا معهم العلوم التي كنا في حاجتها، او ربما أننا لم نستطع الاستفادة من العلوم التي لديهم. وذكرتني سحابة البركان بالوضع القائم الآن، وكيف تأثرت منطقتنا بالأزمة المالية العالمية التي كانت أوروبا جزءاً فيها، وأيضا استجابة الأسواق العربية للخور والخوف الذي حلّ بنظيرتها من الأسواق الأوروبية جراء أزمة اليونان، وربما اسبانيا، والبرتغال، وايطاليا، وايرلندا، وغيرها من البلدان، والعودة السريعة الى التوازن بسبب تدخل الاتحاد الأوروبي في تلك الأزمة من خلال الدعم المطلق الذي بموجبه تتم المساعدة وشراء الدين العام. ذكرتني تلك السحابة أننا كنّا نؤثر في أوروبا في عصور مضت، ومنذ زمن طويل عبر قرون طويلة، وحتى الآن مازلنا متأثرين غير مؤثرين، فهل لنا أن نكون مؤثرين في قرننا الحاضر او القادم إن ذلك ليس على الله بعزيز. ذكرتني تلك السحابة الايسلندية ان التأثير شمالي وغربي الهوى ربما يستمر كذلك، لكن نحمد الله انه لا يوجد لدينا براكين يمكنها أن نؤثر بها على الأروبيين، لكن لعل بركانا علميا يحدث في أمتنا فيقذف بحممه العلمية الى الجهة الأوروبية كما فعل أجدادنا السابقون فتكون قذائفنا أكثر صفاء، وأطيب معدنا، وأجل غاية، وأكثر منفعة للبشرية جمعاء.