يذكرني الجحود والنكران.. الذي يصنعه العاقون بوالديهم ومن هم في حكمهما.. الذين لهم حق وواجب ديني وأخلاقي.. بصبغة الدناءة التي يمتهنها قلة من الأبناء هداهم الله.. وعكس تلك النظرية المسماة بالعقوق الكبير.. أناس يبحثون عن الأرامل والأيتام ليفوا معهم ويكتسبوا من ورائهم أجرا عظيما ويسموا في الدنيا والآخرة.. وتأتي نظرية رد الجميل للأم التي ربت وهي لم تلد ذلك (الابن) العاق والناكر لمبادئ الرجولة والأصالة والرحمة.. تأتي كشاهد لبعض الأحداث المؤلمة حينما تروى من بعض العقلاء، الذين تعصرهم الألم الكبير بفقدان عزيز لهم أو (عزيزة وغالية) تحمل معاني الأمومة الصالحة.. فكيف بالذي فقد أمه وهو طفل صغير لا يستطيع تدبير حاله في أبسط مسلمات الحياة في المأكل والمشرب والملبس؟ ثم يرزق بأم صادقة وحنونة.. تسخر حياتها وشبابها لتربيته وتراعي والده الأثكل محبة لله أولا ثم رحمة بالطفولة كبر السن لأبيه.. حكايات نسمعها تقزز القلب وتوجع قوام الجسم لتدمع العين من تصرفات لا عقلانية.. تجاه من يتسلط بقباحة ونكران للجميل.. قبل أن ييبس تراب أبيه بعد الدفن.. في محاولات بائسة ورخيصة عن صد الأمومة التي ربته وقومت رجولته التائهة.. هكذا العقوق المتفشي. نسأل الله الهداية التكفير عن الذئب أيها العاقون بوالديكم. من تلك المواقف المؤلمة تتعدد الروايات والقصص في كثير من المجالس والأماكن التي تحتاج إلى علاج وردع من كل تصرف يؤذي الأبوة أو الأمومة على حد سواء وتسجيل موقف للتاريخ ليكون درساً تتعلم من سلبياته (الأبناء والأجيال) وتحذر من العقوق المتعمد الذي يصنعه ثلة فاسدة عقائدياً وأخلاقيا.. بالأمس.. افتقدنا أطيب وأعز إنسانة هي في مقام والدتي الخالة (شيخة بنت عبدالله الناصر المبارك التويجري) عاشت في كنف أبويها جدي عبدالله المبارك التويجري وجدتي حصة العثمان الدهش.. تربت على الحياء وعلى عفة اللسان والحشمة والأخلاق الفاضلة.. يرحمها الله.. أثقلتها الحياة البائسة.. عاشت تحمل معها الطيبة والكرم.. عاشت وهي التي لم تلد الابن الصالح أو البنت الصالحة.. ضمرت ذاك البيت التي عمرته بالطاعة والإيمان.. كدحت وتعبت لتقف مع زوج أبكم.. رعته حق الرعاية.. عرفها العقلاء منهم بأنها في مثابة الأم الصالحة لهم.. لا يصيبهم منها أذى ولا مخمصة.. ولا يعتريهم من لسانها نقد أو نميمة أو وشاية. إنه الصلاح الأبيض الذي نور وجهها الصالح.. أبكتني خالتي شيخة وأبكاني بكاء من أحبها.. تألمت كثيراً وصبرت صبر أيوب.. داهمها المرض الخطير.. فتسألها عن صحتها في وقتها فتقول الحمد لله لا أشكو شيئا.. هكذا يكون الإيمان الصادق والصبر الجميل.. الطبيب المختص في مستشفى الملك فيصل التخصصي أراد أن يريح الفقيدة (بأبر) منومة ومهدئة لتخفف عليها الشعور بالألم المستمر.. رافقتها رحمها الله.. أمي الغالية التي لم تغب عينها عنها.. تذكرها بالشهادتين وذكر الله وتحاول مواساتها.. ومعها أختها الخالة سلطانة البارة بها وكأن لسان حالها يقول هذه أمي التي لم تلدني.. صنوف من البر نشاهدها من الخيّرات والخيّرين.. سلطانة أبرت بأختها ووقفت معها في محنتها (وما جزاء الإحسان إلا الإحسان).. سامي أخوها الأصغر قدم أروع الصور الجميلة في بر أخته الثكلى.. تابع حياتها الطبية الأسبوعية فبكى بكاء الأنين المؤلم.. رعاها حق الرعاية في وقت كنا نتأمل ممن صنعته وكبرته أن يكون هو البار بها.. لكنها الحياة الدامسة والمظلمة في وجه العقوق.. تبع سامي في البر الصادق المأجور بإذن الله أخيه أحمد وأخته فاطمة أم أسامة التي فتحت ذراعيها ومنزلها لخدمة تلك الأرملة التي لم تلد الابن.. كوكبة من الوفاء نجدها من الخيرين.. وتتنوع تلك المظاهر الإيمانية حينما تأتي شقيقتي أم سعود نورة التي تورد عليها وتقرأ القرأن على مخمصة الرأس والأذن لعل الله أن يخفف آلامها.. هكذا الوفاء.. الذي افتقدناه من كثير ممن عقوا بوالديهم ولا حول ولا قوة إلا بالله. من حي الأعشاء في مدينة الرياض.. وذلك الباب الخشبي الذي يعقب باب الحديد كانت تعيش مع زوج صالح ولطيف المنشأ عبدالرحمن الفاخري طيب الله ثراه.. كان زوجا بارا حنونا بزوجته.. عرف مقدارها بالمكيال الموزون ثمّن رحمه الله قدرها وشعر أنها الأم والأخت والزوجة.. عملت على بره وخدمته أجل الخدمات رحمها الله رحمة واسعة.. ذلك البيت تلذذنا في التسيار عليها.. تتقن الضيافة بامتياز.. وتولم وليمة نتذكر طعم صنيعها.. خالتي هي الأم هي الأخت هي كل شيء.. من صفاتها يرحمها الله الصبر والحلم.. والتقى والعزة.. حريصة على الفرائض والسنن أشد الحرص.. تصلي رمضان كله في المسجد متروحة مع الأئمة.. عفيفة قوية عند الشدائد.. ترحم الكبير وتوقره وتعطف على الأبناء والبنات وإن عقوّا لسانها هادئ.. لا تسمع لها صراخا.. تحب الناس.. تفي معهم.. تزور المريض.. وتخفف وتواسي.. إنها الحياة الصادقة والنبيلة.. شيخة المبارك أم عبدالله رحلت إلى مثواها الأخير.. رحلت خالتي فأوجعت القلب.. ويا له من وجع كبير.. حينما تفقد من يشرف الإنسان بتقبيل وجهها الطاهر.. لقد رزقت بعائلة بارة وفية في وقت أنها لم يرزقها الله بابن أو ابنة بارة وهذه مشيئة الله.. رزقت بإخوان صادقين أحمد، سامي وأخوات بارات لها.. أمي الغالية حرسها الله منيرة وخالتي لطيفة وفاطمة وجواهر وسلطانة.. وأبناء أخيها عبدالعزيز المبارك وبناته البارات والرحومات والمتأصلات بالوصل الكبير ومعايدة المريض.. وأبناء أخواتها.. تلك النخبة برّوا أجل البر.. كانوا معها في السراء والضراء.. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته.. عزائي للخالة (لطيفة) رفيقة الدرب الصابرة التي تحملت صدمات عدة.. كيف سيكون البيت بعد فراق الغالية.. إنها الوحشة.. لكنها مؤمنة بقضاء الله وأجله وصابرة.. كوني كما عهدناك صابرة محتسبة لله.. عليك بالدعاء الذي لا ينقطع بمشيئة الله.. فأنت بإذن الله من الخيّرات والصادقات دوما.. رسالتي إلى أمي منيرة وهي العاقلة المؤمنة التي تستطيع أن تحكم الصبر.. أمي التي ودعت الخالة شيخة وهي التي خففت على من حولها ألم الفراق.. أمي هي التي زجت فيمن بكى روح الصبر والإيمان.... حفظك الله وأبي.. نعم لقد بكى بسماع خبر الوفاة.. رحمة الله عليها.. أعجبني ذلك السلوك من أحفاد زوجها رحمهما الله في برهم بها وأعجبني حرصهم على معاودة الفقيدة في حياتها وأعجبني ذلك (الحفيد) المؤنس حينما رغب في إطلالة أخيرة على وجه الفقيدة وهي المغسلة والمكفنة رحمها الله.. أنه البر الصادق المكتسب من الخيرين حوله ممن راعوا الله في كل شيء.. ليت هذا الشاب المنمق والمؤدب.. أن يكون سببا في هداية من ظل.. عزائي لأم عبدالرحمن وأبنائها وبناتها.. هي الإيمان هي الصبر هي الوفاء.. عزائي لآل أحمد والفاخري والعسكر الكرام الأوفياء الذين أحبوا الفقيدة وعرفوا مقدار مكانتها.. عزائي لأمي وأخواني خالد وفهد وزياد وباسم وأخواتي الكريمات.. عزائي لأم محمد التويجري الصابرة العفيفة.. عزائي لكل من أحب شيخة وأحبته.. رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها في علية القوم مع الصديقين والشهداء.. أحمد بن عبدالعزيز الركبان