منذ عقود.. درجت الصفة النمطية للمقاول في الغالب بأنه رجل أمي، بهيئة كادحة، قد يكون مواطناً محلياً.. أو وافداً عزيزاً من بلاد مجاورة، يتزعم مجموعة من العمال، يأمرهم ويتعالم عليهم للقيام بأعمال إنشائية ربما البناء (عظم أو تسليم مفتاح) لتلك البيوت الشعبية التي شُيدت إبَّان قيام قروض صندوق التنمية العقاري منذ أكثر من ثلاثة عقود، أو ما قد يقوم فيه من محاولات أخرى، كأن ينجز أعمال صيانة المنشآت أو الترميم والهدم والإنشاء في مرافق أخرى. ربما أعوام تلك الطفرة هي من صنعت هذه الصورة لمفهوم المقاول، فلم تتبدّل أو تتحوّل نحو التطور، إذ إننا وحتى الآن لم نستطع أن نحجب هذا المشهد، أو نحيّد هذه الصورة النمطية المتهالكة عن المقاول الذي يظهر أيضاً للجميع بأنه رغم اجتهاده لا يفقه كثيراً في مجال البناء والإنشاءات، حيث تكشَّفت للناس الكثير من الأخطاء التي قام بها بعض هؤلاء الذين ثبت ادعاؤهم بالانتماء لمهنة المقاولات. فرغم محاولات البعض الآن قول: وكيل أعمال، منسق، منفذ، متعهد، مدير طاقة عمالية، موجه قدرات بشرية، أو رئيس فرقة إنشائية إلا أننا لا نزال في وارد أن نجعله من قبيل تلك الصفة أو الصورة النمطية المؤذية.. تلك التي عرف عن أكثرهم عدم الالتزام بالمواعيد وتصفيف الكلام دون أن يكون هناك أي تطور أو تعديل لعلها تكتسب ولو القليل من المصداقية. فبعض هؤلاء المقاولين يتظاهر في بداية الاتفاق بأنه بريء وطيب ومخلص ولديه قدرة عالية في الإبداع، وعمالته رائعة ومدربة، سيقوم بالعمل بوقت قياسي ووفق المقاييس المحددة و»على القَدَّة» لكن سرعان ما تكتشف أنه مجرد كلام استدراجي لن تمسك منه سوى قبض الريح للأسف. فالملفت أن شخصية المقاول لدينا تبدّلت نوعاً ما، فقد بات الأمر أسهل من السهولة حينما يتقمص أي عامل من عمال التسكع شخصية المقاول، فيبرع في استدراجك إلى اتفاقية عمل معه، ثم تكتشف أنه يمارس الكثير من صور التهرب والمماطلة والعبث بالاتفاق الذي أبرمته معه لأنه، في الواقع قد أبرم مع غيرك الكثير من الاتفاقيات والعقود والوعود. نعرف أن مفهوم المقاولات غزا أيضاً الفن التمثيلي ولا سيما السينما والمسلسلات الرخيصة والأغاني ولم تعد تجد في هذه المقاولات سوى رائحة البحث عن المال. حتى الرياضة لم تسلم من أمر هذه المقاول، فقد تُستبدل كلمة مقاول بمنسق أو مسوق أو فني أو وسيط في محاولة لتقمُّص دور اللاعب المحترف ليس بالكرة.. إنما بما قد يبرمه من اتفاقيات قد يكون الهدف منها كسب المال وقد يفشل هذا التصور ويذهب وعد المقاول أو الوسيط أدراج الرياح.فمن أسباب هذه الفوضى في مفهوم المقاولات هو غياب النظام واللوائح والأهداف، فلا يمكن لنا في ظل هذا الغياب أن نخلص إلى نتيجة أو نحقق أي هدف واضح، فقد نهدر أوقاتنا وجهودنا ومالنا إذا ما ارتهنا إلى حِيَل وألاعيب هؤلاء الذين لم نسمع منذ أمد أنه صدر بحقهم أي رادع، ولنا أن نذكر في الختام أن الحكم على هذه الفئة من المقاولين غير مطلق أو عام لأن هناك من قد يشذ عن القاعدة العريضة الأليمة لنراه يعمل بصدق وشفافية وموضوعية وهؤلاء قلة للأسف. [email protected]