فتحت جامعاتنا الرسمية والأهلية في السنوات الأخيرة الباب على مصراعيه أمام طلبة وطالبات الدراسات العليا، حتى لأصحاب التقديرات المنخفضة كالجيّد مثلاً، بعد أن كانت لا تقبل إلا من تقديره ممتاز أو جيد جداً مرتفع، مع مرتبة الشرف، وازداد بالتالي إقبال الراغبين والراغبات في إكمال دراساتهم العليا، لاسيما في وسط الشح الوظيفي، وتأخر سنوات الزواج لدى الجنسين، فأصبحت الدراسات العليا وكأنها مهنة من لا مهنة له. إضافة إلى أن بعض المؤسسات التعليمية، والدوائر الحكومية تعطي موظفيها وموظفاتها تفرغاً وظيفياً مدفوع الراتب بهدف إتمام الدراسات العليا في مجال الماجستير والدكتوراه، فأضحى المجال يمثل جانباً مغرياً من جميع نواحيه، وبالتالي صرنا نرى طوابير طويلة ممتدة كلها ترغب في عدم تفويت الفرصة السانحة، ليس ذلك فحسب، بل امتد القبول في مجال التعليم العالي إلى حد احتواء من مضى على تخرجهم سنوات طوال، تصل إلى الخمسة عشر عاماً، ومعظم هؤلاء وأولاء في درجات وظيفية ذات مستوى مادي ومعنوي طيبين، لكنه الملل الوظيفي الذي يجعل البعض يفكر في التجديد طالما أن المجال مفتوح له، إضافة إلى إغراءات التفرغ. كل ذلك ليس لدينا أي خلاف معه أو معارضة لتوجهه (بصورة مجملة)، طالما أن الهدف هو رفع المستوى العلمي للموظف أو المتفرغ، وأن الراغب في العلم قد يخدمه ويثبت ذاته فيه ويعيد بناءها من خلاله، لاسيما إذا عزت المجالات الأخرى، حتى لو كان رصيده الجامعي ليس بذي ثقل يذكر. لكن الاعتراض الكبير هو على ذلك الأمر الذي صار تقليداً جامعياً في مجال الدراسات العليا لا يُقبل الطالب أو الطالبة إلا به، مع أنه لا يمثل سبيلاً دقيقاً أو موثوقاً، ألا وهو (التوصية الجامعية) التي تشترطها الجامعات على طالب الدراسات العليا، حيث يطلب منه إحضار تزكيتين من أستاذين أو أستاذتين، رغم بُعد الفترة الزمنية بين تدريس الأستاذ له وبين طلبه التوصية منه! إضافة للفقرات المطلوبة التي يجد أي إنسان صعوبة وحرجاً بالغين في تعبئة خاناتها، مثل: ما هو مستواه في البحث؟ وما مدى استعداده للدراسات العليا؟ إذ كيف يعرف الأستاذ أو الأستاذة كل تلك الأمور الدقيقة البالغة الأهمية وهما يحاضران لمدرجات تحوي العشرات أو المئات من طلاب وطالبات الجامعة، عبر سنوات عديدة، وفي ظل عدم وجود التميز الطلابي في الآونة الأخيرة. فإن عبأت الدكتورة جميع الخانات بأي كلام فإنها تفقد مصداقيتها، وخصوصاً أن عبارة (توصية علمية) ليست بالأمر الهين، وإن تركتها فارغة لم تُقبل التوصية من الطالبة، وبالتالي يذهب استجداؤها لأستاذاتها وركضها خلفهن سدى، وإن رفضت الدكتورة تحمل مسؤولية تعبئة الاستمارة منذ البداية، توهمت الطالبة أنها هي التي تقف حجر عثرة في طريق مستقبلها العلمي والوظيفي. فما هو الحل يا ترى لهذا الأمر الذي أصبح مصدر ضيق وحنق من قبل الأستاذة الجامعية التي تفاجأ بسيل منهمر من راغبات الدراسات العليا بصفة دائمة، اللاتي لم يحصلن على نسب علمية عالية، ولا مراتب شرف، ولا تتذكرهن الدكتورة، بل الطالبة ذاتها لا تتذكر أستاذاتها إما لبُعد فترة التخرج، أو لكونها كانت مهملة مستهينة، فهل تستحق مثل هذه الطالبة أن تجازف الأستاذة بسمعتها الأكاديمية، والتضحية بوقتها الثمين؟ فإما أن تلغي الجامعات هذا التقليد البائد طالما أنها قبلت المتقدمين والمتقدمات دون شروط أساسية تذكر، حيث إنه لا يقدم ولا يؤخر، بل هو قد يؤخر حيث تضطر كاتبة التوصية لمجاملة الطالبة الملحة المستعجلة الواقفة بين يديها، وإما أن تتعامل الجامعات مع مجالس الكليات والأقسام، فترسل التوصيات بصورة جماعية رسمية سرية، بحيث لا تعرف الطالبة من ستزكيها ولا عنوانها أو بريدها أو هاتفها، لأن في ذلك إزعاجاً ليس بعده إزعاج، وذلك بعد أن تستوفي الطالبة كافة شروط القبول لديها، فما هو الأجدى يا جامعاتنا العزيزة؟