على الصفحة الأولى من جريدة (الحياة) أمس الأربعاء جاء هذا الخبر: بدأ الشيخ محمد صالح المنجد في التفاعل مع الجدل، الذي أثير حول فتواه بشأن قياس (الجمارك) على (المكوس) أخيراً، عبر مغازلة صريحة لمصلحة الجمارك، التي علمت (الحياة) أنها تلقت خطاباً من المنجد يتبرأ فيه من تحميل فتواه ما قال إنها حملته ب(قصد التشويه، وإبرازها وكأنها مساعدة في نشر الفساد المالي والإداري في المملكة).. وهذا الموقف بلا شك يُسجل للمنجد؛ فأن تعود عن الخطأ خيرٌ لك من أن تصر على الباطل؛ بغض النظر عن محاولته (غير الموفقة) في الحكم على (نوايا) من أثاروا هذه القضية كقضية رأي عام يجب بحثها وتمحيصها وعدم تلقيها بالقبول على علاتها. وقد احتوى العدد نفسه من ذات الصحيفة على تحقيق موسع عن مدى صحة (قياس الجمارك على المكوس) شارك فيه مختصون شرعيون، اتفقوا على أن قياس الجمارك بالمكوس المحرمة قياس يشوبه الكثير من المحاذير؛ الأمر الذي يُبطل القياس برمته، وبالتالي ما ترتب عليه من أحكام؛ على اعتبار أن حكم من قاس المكوس بالجمارك تَجاوز (اختلاف) الدولة اليوم عن الدولة بالأمس، وهذا الاختلاف لا يمكن تجاوزه بحال من الأحوال عند الحديث عن مصادر دخل وتنظيم الدولة المعاصرة؛ وهو ما أشار إليه الدكتور سليمان الضحيان في التحقيق ذاته بالقول: (بنية الدولة الحديثة تغيّرت تغيراً جذرياً عن بنيتها في الماضي، إذ إن الدولة الحديثة اليوم مطالبة بتوفير الحقوق الأساسية للمواطن من أمن وصحة وتعليم، وتوفير بنية أساسية للدولة من طرق ومواصلات وغيرها، وهذا يستلزم موارد للدولة، والضرائب اليوم تشكل مصدراً أساسياً لموارد الدولة الحديثة التي في محصلتها النهائية وضعت لخدمة مواطن تلك الدولة، ومثلها (الجمارك) فهي تعد مورداً من موارد الدولة وحماية لمنتجاتها من المنافسة الخارجية). ويقول عميد كلية الشريعة سابقاً في جامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور سعود الفنيسان: (المكس الذي ورد في حديث ماعز حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم لقد تاب توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، يقصد به ما يؤخذ بقوة ومن غير وجه حق، وبالنسبة للجمارك، فهي تدخل ضمن المصالح المرسلة، فالجمارك ليس عليها دليل خاص يمنعها ولا يؤيدها، فتدخل ضمن دائرة ما سكت عنه أو المباح، أو القواعد المرسلة التي أصبحت من قواعد التشريع وهي أقوى من المسكوت عنه). ولعل مثل هذه المراجعات، والحوارات، ونبش التراث القريب، وإعادة قراءة محتوياته، ونقاشها دون مجاملة، هي إحدى ثمرات العهد الزاهر للملك عبدالله – حفظه الله -؛ وليس لدي أدنى شك أن الحرية التي أعطيت لنا معشر الكتاب والإعلاميين في الآونة الأخيرة قد آتت أكلها، وجعلت كثير من القضايا يُعاد نقاشها، وتمحيصها، وقراءتها قراءة لا تنقصها الجرأة؛ وحواراتنا الأخيرة عن (الاختلاط)، وهذا الحوار، وما تمخض عنه، يؤكد أننا نسير على الطريق السوي لرفعة هذه البلاد، وتحقيق رفاهية المواطن؛ انطلاقاً من الشريعة الغراء التي قامت وستبقى إلى أبد الآبدين الأساس المتين الذي تنطلق منه الأنظمة والقوانين في بلادنا. إلى اللقاء.