تؤدي الممثلة السورية الشابة إيمان خضور (25 سنة) مع ممثل مبتدئ آخر، مشهداً يجسد قصص الكاتب المسرحي الروسي أنطون تشيخوف. يعتمد الممثلان على نظريات المخرج ستانسلافسكي لإعداد الممثلين وتأهيلهم للخوض في أي سينوغرافيا درامية يوكلون بها. تبدو خضور أكثر إقناعاً على خشبة المسرح من رفاقها ال15 الآخرين المشاركين لها في الاختبار المسرحي الأول لمدرسة الفن المسرحي. وعن سبب التفاوت في الأداء بين مجموعة الممثلين، المفترض بهم أن يكونوا لاحقاً فرقة تمثل هذه المدرسة تقول خضور: «اقترب من اكتمال شخصيتي كممثلة، جسدت أدواراً تمثيلية عدة، في فيلم «مرة أخرى» للمخرج السوري الشاب جود سعيد، وآخر في فيلم «حراس الصمت» عن رواية غادة السمان للمخرج سمير ذكرى، وقد لا يكون غيري حظي بتلك الفرص السينمائية التي ساعدت على تكوين شخصيتي الفنية». قررت خضور أن تدخل تجربة الاحتراف كممثلة منذ سنتين، وبدأت مع مشروع تأهيل الممثلين «تياترو» لمؤسسته الممثلة مي سكاف، لكن خلافات إدارية أخرجت المشروع عما ربطه بدار الفنون المؤسسة الرسمية التابعة لاتحاد شبيبة الثورة في دمشق. هي الآن أشد اقتناعاً بما يقدمه أستاذ المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وخريج الأكاديمية الروسية للفنون المسرحية سمير عثمان الباش المشرف على «مدرسة الفن المسرحي» بعد افتتاحها منذ أشهر ك «محترف تمثيلي خاص» لا يتبع لأكاديمية رسمية وإنما يشرف على التدريب فيه أساتذة أكاديميون مسرحيون. ما قبل «تياترو» وبعده أمر لا يشكل هاجساً حقيقياً عند خضور لكنها تعترف بظلم للمتدرب طرأ بسبب «سوء التنظيم، وعدم توفير مكان لائق للتدريب». تقول خضور أن ثمة أزمة حقيقية في الوسط الفني السوري وهي عدم الاعتراف بالتدريبات التمثيلية الخاصة، وتضيف: «على رغم أهمية انتمائي إلى تياترو سابقاً، وكون أساتذتي من المدرسين في المعهد العالي، لكن التعامل مع تجربتي التمثيلية يخضع للتشكيك، وهناك مشكلة الانتساب إلى نقابة الفنانين أيضاً، لأجل العمل بحرية، من دون التعرض الى مآزق عدم الانتساب»، ولا تخفي خضور خشية غالبية الموهوبين من الحضور الى التمارين في محترفات خاصة «حتى الحضور في فرقة مثل أورنينا للرقص المسرحي يخيف أي شخص مبتدئ، من عدم الاعتراف به لاحقاً في الوسط الفني السوري». قصة طويلة لمحاولة الاعتراف بممثلين لم يدرسوا «الدراما» أكاديمياً تجعل من حلم المتدرب سامر (29 سنة) صعباً، ويتضاعف تعقيد الموضوع مع اعتراض أهله على فكرة التمثيل أساساً، إلى أن اضطر لدراسة الهندسة بدلاً من التمثيل. وهو منذ انتسابه إلى «تياترو»، لا يزال مخفياً لحلمه الاحترافي عن أهله وعن الضوء، «الإحساس بوجود حلم، ثم الصدمة أن لا شيء هناك ملموس على أرض الواقع، جعلني متردداً». سامر لم يستطع أن يراهن فقط على جو الحب والألفة بين المتدربين في تياترو، في حين أتى مشروع مدرسة الفن المسرحي، لينقذ تجربته، وبقي «تياترو» قائماً كمشروع مستقل متخذاً في مكان على أطراف مدينة دمشق خطاً مستقلاً، يمكن أن يغري العديد من المتدربين الآخرين. سنة ونصف السنة من التدريب في مدرسة الفن المسرحي، مقسمة على ستة مراحل اختبار ستجعل من بعض المتدربين غير جدير بمتابعة المشروع، وتبدأ المرحلة الثانية الشهر المقبل، ويقول المدرب عثمان الباش: «نحاول أن ننضج الأعمال التي يقدمها المتدربون لتصل مسرحياً إلى مستوى لائق ولتعرض العام المقبل في الذكرى المئة والخمسين لميلاد تشيخوف». من دون أي تعديل على نصوص الكاتب الروسي القصصية يحوّل المتدربون النص لمشاهد مسرحية قصيرة، كانت غالبيتها بعيدة عن الحرفية والإقناع أثناء أدائها على الخشبة في مرحلة أولى، استبعد فيها اثنان من المتدربين فقط، أي أن المدرسة المسرحية هذه تعمل في شكل ما على رعاية واحتضان تجربة تمثيلية قد لا تكون هي الهدف المرجو لإنشاء فرقة حقيقية في المستقبل لكن عثمان الباش يصر على وصف التدريب بالأكاديمي «سنرى ما هي أخطاء هذه المرحلة ومن هنا سنقرر ما ستكون عليه المراحل التدريبية المقبلة»، متابعاً «لا أنفي وجود مستويات ضعيفة بين المتدربين، إلا أننا سنضم المتميزين في فرقة مدرسة الفن المسرحي، إضافة إلى فكرة تأسيس مدرسة وفرقة مشابهة للأطفال». يشرف على المشروع إلى جانب عثمان الباش أساتذة في الدراما والقراءات والأدب المسرحي والليونة والحركة والصوتيات، وهم جمال منيّر، غطفان غنوم، نديم محمد، مازن منى وفيودور بيريفيرزيف، وجميعهم أساتذة في المعهد العالي للفنون المسرحية. في المقابل يقيم دار فنون المنزل العربي الأثري مشروعاً آخر هو ناد لترويج الثقافة العربية (كتاب بلاد الشام)، لتعريف العرب والأجانب بمحتويات مهمة من ثقافتنا العربية، ويعمل الدار بشكل شبه مستقل عن تبعيته لمؤسسة سورية رسمية، وسبب ذلك نظامه الداخلي الذي لا تطاوله البيروقراطية، لكنه تحول اليوم من معهد موسيقى إلى مكان لدعم المواهب التمثيلية الشابة، وعلى رغم ذلك فإن مديرة الدار رحاب ناصر تبدي رأيها بأن «لا شيء يعادل شهادة المعهد العالي للفنون المسرحية، ولكن مشروع المدرسة المسرحية سيكتمل لاحقاً تحت مسمى آخر «فرقة الدار المسرحية». وتتطلع ناصر إلى مستقبل مقنع للمتدربين بوجود مشرفين مختصين في المسرح في الدار، مراهنة على وجود الموهبة أولاً بين المتدربين، فهل تعبر دار الفنون بمشروعها حيز التجريب إلى الاحتراف؟ سينتظر المتلقي سنة ونيف ليرى إن كان يستطيع تقبل ممثل صقل خبرته بمؤازرة قد لا تكسبه اعترافاً من وسطه.