إعدام صدام حسين نهاية عام 2006 كان الخطوة الأولى في إحياء الصدّامية كمنهج وممارسة سياسيين يشهدان اليوم ازدهاراً في العراق. وفي واحدة من مفارقات العراق المحزنة، مرت عودة الصدّامية عبر اجتثاث حزبها. حملات الإقصاء لمئات «الكيانات السياسية» التي تحاول السلطة التبرؤ منها فيما يؤيدها ويشجعها بعض أبرز القوى السياسية، تبدو فصلاً من إجراءات التطهير التي كان حاكم العراق يحب تنفيذها أثناء البث التلفزيوني المباشر، ليكون من وقع في يده من خصومه عبرة لمن يجرؤ على معارضته في المستقبل. الظروف البائسة التي أحاطت بإعدام صدام والهتافات التي أطلقت والثأرية المقززة في التعامل معه ومع إرثه ككل، لم تعلن سوى أن الرجل انتصر على أعدائه المحليين من حيث يدرون أو لا يدرون. لقد جعلهم نسخاً مصغرة عنه ينفذون أساليبه بأدواته وإن اختلفت الشعارات. لقد غرس «ثقافته» عميقاً في الوعي السياسي العراقي وكرس نهجاً من العنف الدموي يصعب تصور المدة اللازمة لخلاص العراق منه، ناهيك عن تبني أجيال من «المريدين» لطرق صدام في القمع والتصفية والإلغاء، باعتبارها من بديهيات العمل السياسي في المشرق العربي، ما يُنذر بدوام موجات العنف الطائفي والعرقي لعقود كثيرة مقبلة. لقائلٍ أن يقول أن مرور ثلاث سنوات على إعدام صدام بتلك الطريقة وخصوصاً بعد تلك المحاكمة التي حصرت جرائمه التي لا تُحصر بواحدة «صغيرة» من ارتكاباته الصغيرة ذات الدلالة الطائفية الجلية (إذا جازت قسمة الارتكابات والجرائم الى كبيرة وأخرى صغيرة)، كان من المفترض أن يعين (مرور هذه السنوات) السياسيين العراقيين على تحرّي مواقع الخلل في إمساكهم جمر طوائفهم وعلاج الحروق الناجمة عنها. بيد أن ما قامت به «هيئة المساءلة» يشي بقلة عدد من يستفيد من دروس التاريخ، وأن النزعات الثأرية، المفضية الى المزيد من التناحر الطائفي والمذهبي والعرقي، هي العنصر الفاعل في تشكيل مشهد سياسي عراقي قوامه التركيز على التضاد والاستئثار على حساب البحث الجدي عن معطيات الوحدة لبناء بلد ينبغي ان يخرج من تحت الاحتلال، وخصوصاً أن يطوي صفحة صدام حسين وتمييزه وحروبه وأسلوبه الكارثي في إدارة العراق وموارده. ولا عجب، والحال على ما تقدم، أن تتركز حملات «اجتثاث البعثيين» في مناطق ذات هوية طائفية صارخة ترتفع فيها صور ورموز تعيد إلى الأذهان حملات التطهير الستالينية والبعثية. ويصعب إقناع كل من له إلمام ولو بسيط في الشأن العراقي أن اجتثاث البعثيين في النجف، على سبيل المثال، لا ينطوي على رسالة ترمي الى حشد شيعة العراق في صف دعاة الاستئصال وحكم الطوائف المسلحة والتذكير بدور البعثيين في الهجمات التي استهدفت الشيعة. وكي لا يكون المرء ساذجاً، ينبغي القول إن الحملة ذاتها تصب الماء في طاحونة الخصوم الطائفيين الذين سيستغلونها لتجييش مشاعر السنة ضد الشيعة، ما يُبقي رحى التذابح الطائفي يدور بلا توقف، على نحو لا طائل منه سوى بقاء الكيانات الطائفية قابضة على حطام بلد وسلطة، وبقاء العراق سلعة في بازار «النفط مقابل المشروع النووي الإيراني». وعلى الخلفية هذه، يتعاظم شبح صدام حسين الذي خلّف في العراق وفي العرب ندوباً وجدت من يعمقها ويحيلها جروحاً لا تلتئم وتلامذة نجباء في مدرسة البطش وحروب الطوائف والنواحي.