إذا اجتهد المجتهد في حق نفسه، واتصل به حكم حاكم ثم تغير اجتهاده، فهل ينقض اجتهاده الأول أم لا؟ يجيب اليوسف عن هذا السؤال في بحثه بأن الجمهور ذهبوا إلى أنه لا ينقض الاجتهاد الأول، على وفق القاعدة، وذهب آخرون إلى أنه ينقض الاجتهاد الأول. وينقل الباحث الأقوال التي تعترض على هذا الرأي بأن الحاكم ينقض جميع ما بان له خطؤه - أي حتى ولو كان في المسائل الاجتهادية، وهذا القول محكي عن أبي ثور وداود، وحكي عن مالك أنه وافقهما في قضاء نفسه. واستدل القائلون به بحديث عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري وفيه: «ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه اليوم، فراجعت فيه رأيك، وهديت فيه لرشدك، أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل». لكن اليوسف يجيب على هذا الاعتراض بقوله: «إن نقض الاجتهاد الأول بالثاني في المسائل الاجتهادية مصادم للإجماع، ويترتب عليه ارتباك الأحكام وعدم استقرارها». وينتقل إلى دليل المعارضين الآخر، الذي ينص على أن شريحاً حكم في ابني عم، أحدهما أخ لأم، أن المال للأخ، فرفع ذلك إلى علي فقال علي: عليّ بالعبد، فجيء به فقال: في أي كتاب الله وجدت ذلك؟ فقال: قال الله تعالى: «وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله» فقال له علي: فقد قال الله تعالى: «وإن كان رجل يُورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السُدس»، ونقض حكمه، ووجه الاستدلال على الاعتراض هنا هو أن علياً نقض حكم شريح في هذه المسألة الاجتهادية، فمن ثم يكون الأثر دليلاً على نقض كل ما بان خطؤه ولو كان من المسائل الاجتهادية. لكن اليوسف يرد هذا الاعتراض قائلاً: «لم يثبت أن علياً نقض حكم شريح، ولو ثبت فيحتمل أن يكون اعتقد أنه خالف نص الكتاب في الآية التي ذكرها، فنقض حكمه لذلك، وهذا من باب نقض الاجتهاد بالنص وليس بالاجتهاد».