يلقي كتاب المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر «هجرة الشوام: الهجرة اللبنانية إلى مصر»، الصادر حديثاً عن دار «الشروق» في طبعة جديدة، فريدة ومنقحة، الضوء على ظاهرة يمكن تأريخ بدايتها بأول القرن التاسع عشر، أو مع تأسيس الدولة المصرية الحديثة على يد محمد علي باشا. في هذه الفترة كانت بلاد الشام تعيش حالاً من التعصب الديني والانغلاق الطائفي والظلم الاجتماعي وغياب الحرية، إضافة إلى قلة الموارد وضعف الاقتصاد، فيما كانت مصر تعيش لحظة تحول كبير جراء النهضة الحديثة ورؤوس الأموال الأجنبية التي بدأت تتدفق عليها، فبرزت كبوابة للصراع بين القوى الأوروبية الصاعدة اقتصادياً بفعل الثورة الصناعية. يطرح الكتاب الذي نظمت دار «الشروق» أخيراً لقاء حوله في كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك في القاهرة، أسئلة عدة، منها: متى بدأت هجرة الشوام إلى مصر؟ من أي المدن جاؤوا؟ في أي المدن المصرية استقروا؟ ما الأسباب التي تقف وراء تلك الهجرات المتتالية؟ يسعى الباحث الى الإجابة على هذه الأسئلة، فيحلل بمنهجية علمية وتوثيقية كل ما يتعلق بهجرة الشوام إلى مصر، متناولا أهم الأنشطة والأعمال التي التحق بها الشوام، أو طوروها، أو أسسوها في مصر، ولماذا برعوا في هذه الأعمال بالتحديد. ويلقي ضوءاً على البعدين العائلي والطائفي وتأثيرهما في جاليات الشوام في المدن المصرية، ثم مصادر ثقافة الشوام وكيف أفسحت لهم المجال واسعاً في الحياة الثقافية والاقتصادية والسياسية المصرية منذ أن تولى محمد علي الحكم في 1805 وحتى عهد جمال عبد الناصر الذي أنهى حكم أسرة محمد علي في 1952. وخلال اللقاء أكد البطريرك غريغوريوس الثالث «أن الشوام أتوا إلى مصر برغبة التواصل والاندماج، ولذلك أبدعوا ونشروا الثقافة والحضارة، جاؤوا وفي قناعتهم العطاء والإبداع من دون مقابل بالضرورة». وأشار إلى مقولة القديس بولس الرسول: «إن العطاء أكثر غبطة من الأخذ». وذكر أن «هذا المثال الجيد للهجرة هو نموذج نتمنى أن نراه في عالمنا المعاصر». وأضاف : «أظن أننا نحن العرب – مسلمين ومسيحيين- نجحنا في تجربة تاريخية كان فيها من سمو العلاقة وروعة التعايش ما يبعث على التفاؤل، وأقول لكم إن جزءاً من الحضارة المسيحية هو حضارة إسلامية والعكس صحيح. وإذا لم ننجح نحن الآن، فلا حوار في العالم - شرقاً وغرباً - سينجح».