في جميع الظروف والأحوال يجد المتابع أن للقطاع المصرفي تأثيراً ملموساً في كل البلدان على اختلاف أنظمتها السياسية. ويسهل فهم السبب ما دامت البنوك «مخازن» ودائع الناس ويحتاج إلى خدماتها كل قطاع اقتصادي آخر. وفي أغلب الأحيان، فإن السلطات النقدية، في معظم البلدان المتقدمة، تحسن الإشراف على سلامة القطاع المصرفي. ومع أن السعودية - مثلاً - بلد نامٍ بمقاييس كثيرة، فإن نظامها المصرفي، من أفضل الأنظمة، ولن يسمح بانهيار أي مصرف، أو فقد أي مودع لريال واحد مما أودع. وتدريجياً تضخّمت البنوك في أميركا وأوروبا وزادت دخول إدارتها بنسب أعلى بكثير من زيادة قيمة استثمارات من استثمروا في شراء أسهمها. فوظفت إدارات هذه البنوك، وبالذات، وهذا هو مصدر المشكل، في الولاياتالمتحدة الأميركية، أفضل وأكفأ بيوت القادرين على الدفاع عنها، أو الدفاع عن تصرفات وأجور ومكافآت قياداتها الإدارية العليا، في صالات الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ. (ومن هنا أتت كلمة «لوبي» التي تعني بالانكليزية صالة انتظار أو ممر إلى مكاتب أخرى). ويعتقد كثرٌ بما في ذلك غالبية أعضاء الكونغرس، أن «لوبي» البنوك هو الأكثر تأثيراً بين جميع «اللوبيات» الأخرى التي تمثل قطاعات اقتصادية أو مهنية. (1) وقد استطاع «لوبي» البنوك في البداية، نقض القانون الذي وضع فاصلاً جديداً بين نشاطات قطاع المصارف ونشاطات قطاع منشآت تقديم خدمات الاستثمار. والقانون الأصلي أخذ اسمه من اسمي من صاغاه (ستيغل - قلاص). وبعد نقض قانون (ستيغل - قلاص) استطاع لوبي البنوك تحقيق نصر آخر بإقناعه المشرعين أن يتغاضوا أو يصرفوا النظر تماماً عن أي تشريع ينظم علاقة المصارف بما يسمى «محافظ التحوط» أو حتى إنشاء البنوك ذاتها محافظ «تحوط» خارج الحدود الأميركية أو داخلها. وانضمت الى البنوك منشآت مالية أخرى كمجموعة «A.I.G.» ذلك الأخطبوط الضخم الذي ما كان يشرف على نشاطه أحد بسبب غياب القوانين التي تمكن السلطات الرقابية الحكومية من التدخل أو التحذير على الأقل من الوقوع بين أنياب ذلك الشبح الخطير الذي تحول الى الرمز الأهم لسرقات لصوص «وول ستريت». ونتيجة للكارثة المالية، التي بدأت في صيف 2007 انكشف المستور، وعرف الجميع ما سبق أن حذر من حدوثه أمثال بول فوكر، محافظ البنك المركزي الأميركي السابق الذي هزم شبح التضخم، خلال إدارة الرئيس ريغان، من نحو 14% إلى أقل من 5%، فأجمع كل مراقب محايد من ذوي العلم، على أنه لا بد من وضع قانون محكم ينظم نشاط جميع الأسواق المالية، وفي مقدمتها القطاع البنكي. وقد أعلن الرئيس أوباما، وبعض أقطاب إدارته وحلفائه في الكونغرس، أنه ينبغي وضع تشريع يعطي السلطات الرقابية الأسلحة الفاعلة والكافية لحماية الاقتصاد الأميركي أولاً، ثم اقتصادات بقية دول العالم، من شرور القيادات التنفيذية للبنوك وبقية المنشآت المالية، الذين سيؤدي ترك الحبل لهم على الغارب، إلى كارثة مالية أخرى قد تكون أسوأ من الأخيرة التي لم يتعافَ لا الاقتصاد الأميركي ولا العالمي منها تماماً، حتى وإن خفت وطأتها بعد نحو ثلاث سنوات من بدايتها. والأرجح، وللأسف الشديد، أو كما قال السناتور ديربن نائب زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ، ان «لوبي» البنوك، يملك أصوات أعضاء الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، ولذلك سيحول دون إصدار قانون فاعل. والذي يقصده صديق أوباما وحليفه السناتور ديربن الذي يمثل ولاية ايلينوي، أي الولاية التي كان يمثلها أوباما ايضاً حين كان عضواً في مجلس الشيوخ، أن «لوبي البنوك» يملك ما يكفي من أموال للتبرع لحملة أي عضو في الانتخابات، ويقدم مصلحة القطاع المالي على مصلحة العامة، أو تقديمهما لخصمه، لو لاحظ «اللوبي» أنه تردد في دعم مصالح من وظفوه للدفاع عن مصالحهم. والأرجح، انه سيصدر «قانون» من الكونغرس، وربما وافق عليه الرئيس أوباما مرغماً لا مختاراً، ووقعه. والأرجح أيضاً، أن القانون، الذي سيسمح «لوبي البنوك» بتمريره وإنجازه لن يكون ما يتمناه لا السناتور ديربن ولا الرئيس أوباما، ولا ذوو العلم المحايدون في كل مكان. ولكن، وكما في القول المأثور، ما لا يدرك جله لا يترك كله. وإذا أعيد انتخاب أوباما في عام 2012 واحتفظ الحزب الديموقراطي بغالبية في الكونغرس بمجلسيه، فقد يحاول مرة أخرى وضع قانون إضافي يعطي أسلحة إضافية للسلطات الرقابية للإشراف على البنوك والقطاع المالي عموماً للحد من نشاطاتها الضارة بسلامة النشاط الاقتصادي العام ولدفعها لمزيد من الأعمال التي تنفع عامة الناس، كمنح القروض بتكاليف غير مجحفة. والله من وراء القصد. (1) - وبالطبع هذا لا يشمل اللوبي الإسرائيلي، «ايباك» ولن تجد من سيتحدث سلباً عن «ايباك» إذا أراد الاحتفاظ بمقعده أو الفوز بمقعد سياسي آخر، تماماً بسبب تأثير «ايباك» كما سيأتي تفسيره في مناسبة أخرى ان شاء الله. * أكاديمي سعودي