أستاذة الفلسفة الإسلامية والعقيدة في جامعة الأزهر، الدكتورة آمنة نصير ربطت بين جريمة قتل ستة من المواطنين المصريين الأقباط في مدينة نجع حمادي، وبين ما سمته «التديّن الوافد». وقالت ل «الحياة» إن «هذا التوجه لدى المسلمين أوجد رد فعل من الشريك الآخر في الوطن»، و «أوجد الإفراط في هذا التديّن المظهري، كراهية للمختلِف معي». وهي ترى ان مصر في حاجة الى مصالحة بين الإنسان المصري، وبين الثقافة المصرية، وإن شئت فهي - ربما - قصدت المصالحة بين المصري وشخصيته الطبيعية المتسامحة، التي فقدها بتأثير التديّن الوافد، وما يسمى «الصحوة». أعجبني مصطلح «التدين الوافد»، ومن يعرف مصر جيداً سيجد ان هذا التديّن طغى على مظهر الشارع المصري منذ منتصف السبعينات من القرن العشرين، وليته اكتفى بهذا، بل انه، خلال العقود الثلاثة الماضية، انتقل من المظهر الى الجوهر، وأصبح عاملاً حاسماً في تشكيل الشخصية المصرية، ولم يعد أحد قادراً على التفريق بين المتديّن المصري والمتدين السعودي أو الباكستاني أو الأفغاني، على رغم ان المصري عاش طوال تاريخه في مجتمع متمدن ومتعدد. وأتذكر حين اثيرت قضية الدعاء على المسيحيين واليهود في المنابر، ان احد ائمة المساجد في السعودية كان لا يرى جواز هذا التصرف، وكنت مستغرباً من موقفه، فرد على الاستغراب قائلاً: «أنا تربيتي مصرية، ودرست في الأزهر، والشعب المصري متعدد ومتسامح ، والأمر لم يكن مطروحاً عند اساتذتي ومشائخي». اليوم تغيّر الوضع. غاب باسم المصري، وحضر عباس. ومرّ على مصر جيل تجاوز في تشدده وضيق أفقه عنف تنظيم «القاعدة»، وعلى رغم ان ظاهرة التطرف توارت في مصر، أو هدأت، إلا ان الجهد في مواجهتها اقتصر على الجانب الأمني، فبقيت آثار ذاك التدين الوافد تحول دون استرداد المصريين شخصيتهم المتسامحة، لذلك فإن الدعوة التي اطلقتها الدكتورة آمنة تستحق الاهتمام، ولا بد من جهد ثقافي في هذا الاتجاه. فغياب المصري المتسامح لم يؤثر في السلم في مصر وحدها، بل امتد تأثيره الى ارجاء العالم العربي، وإذا عاد الينا باسم المصري، سيتوارى العابسون في كل أنحاء الوطن العربي.