يشكل المعرض الاستثنائي الاستعادي للفنان موشا في «متحف مونبولييه» فرصة لتأمل أهميته كممثل أساسي وأول للتيار المعروف باسم «الآرنوفو»، أو ما يعرف تاريخياً بأسلوب الفترة الزاهية «بيل إبوك» المتمركز حول سنوات 1900، انه المعرض الاستعادي الثاني بعد ثلاثين سنة من معرضه النظير في القصر الكبير في باريس، ومن الضروري الإسراع بزيارة المعرض الراهن الذي سينتقل الى متاحف أخرى أثناء الخريف الجاري بدلاً من الانتظار ثلاثين سنة أخرى. هو ألفونس موشا الرسام والمصور والمصمم المتعدد الإداءات، ولد في مورافيا عام 1860 وتوفي في براغ عام 1939، وعاش واشتهر في باريس، فقد ارتبط اسمه بالممثلة المسرحية الجميلة المعروفة سارة برنار. كانت مسحورة بأسلوبه المحب للحياة والألوان الحسية المتفاءلة. اختص بتصاميم اعلاناتها، وديكورات مسرحها والأزياء والحلي كذلك، مخلفاً تراثاً يحتذى اليوم من قبل كبار المصممين والمعلنين. استمر احتكاره لتصاميم سارة برنار ما بين عامي 1894 و1900. يعانق المعرض الموسوعي عشرين لوحة من أشهر مجموعاته وأجملها تدعى «بالعصر السلافي» تتجاوز مساحتها الإجمالية ألف متر مربع أُنجزت ما بين عامي 1912 و1926. رسخت هذه المجموعة شهرته وكان كُلف بإنجاز الجناح البوسني في المعرض العالمي في باريس دورة 1900. لا يمكن انكار الجانب الآخر من وجوه تعدديته التشكيلية الخصبة، ساهم أيضاً في شيوع شهرته وهو اهتمامه بالرسوم التوضيحية الطباعية للموضوعات التاريخية كمجموعة مشاهد من «التاريخ الألماني» عام 1892 أو مجموعة «أميرة طرابلس» عام 1897، ودعم الناشر المعروف أرماند كولين وسواه خصوصاً بيازا الذي أوصله الى مسؤولية رئاسة تحرير مجلة نوستر والرسام الأساسي فيها. نصل هنا الى الخصائص الفنية في عصره والأسلوب المسيطر المذكور والذي جعله على رأس تيار الآرنوفو، هو الذي يجمع أسماء معروفة ما بين مدرسة فيينا (كليمت) والمعماري البرشلوني غاوودي، وبالتالي خطأ تهمة هؤلاء بالزخرفية (ديكوراتيف)، لأن هذه التهمة الشائعة تكشف سوء فهم شمولية وتعددية أوجه التعبير لدى هؤلاء ولدى فناننا موشا. تمثل تجربة موشا العودة الى وحدة الفنون التي كانت سائدة في العصور الوسطى (قبل عصر النهضة)، يرفض مثلهم التفريق بين ما هو تزييني وما هو ثقافي (أو نخبوي)، لأنه لا يفصل الفن عن الحياة، فزخرفة الحلي أو السيراميك لا تنفصل عن لوحة المشاهد التاريخية الجادة، كذلك فإن التلذذ بمتعة اللون لا تشوبها خشية من الوقوع في تهمة الزخرفة البصرية، وإذا كان هذا الضمان مرتبطاً بعبقرية موشا واهتمامه المعاش والعميق بلذة الحياة الحسيّة، فإن الأسلوب العام المعروف باسم تاريخه «1900» بين لندن وباريس لا يخلو من التنميط الصناعي والتكلف الزخرفي، لعل أبلغ أمثلته تصاميم مداخيل أروقة محطات المترو. إذ من السهل تمييز وضوح تعريقاتها وزخارفها النباتية المعروفة باسمها الوارد من الأندلس والزخرفة العربية: «الأرابسك». تتفوق بالنتيجة لدى موشا الرهافة الضوئية اللونية على العناصر الزخرفية ذات الدلالات المستهلكة في الإعلانات. وإذا كان موشا يحمل تراث هذه الفترة فالأشد بقاء لديه هو البعيد عن سهولة الخلط القصدي بين الاستهلاكي والنخبوي.