بدأت الممثلة الفرنسية صوفي دويز العمل في السينما منذ ربع قرن عندما كانت في العشرين من عمرها، قبل أن تشعر فجأة في أواسط تسعينات القرن العشرين بحنين الى مسقط رأسها مدينة نيس الفرنسية الجنوبية المطلة على المتوسط. فانفصلت عن شريك حياتها وتركت باريس والسينما، وأخذت معها طفلتيها الصغيرتين وتحولت ممثلة مسرحية تعمل دورياً على خشبة المسرح الوطني في نيس، عبر مشاركتها في أكبر المسرحيات الكلاسيكية من درامية وفكاهية. هكذا كونت دويز لنفسها شهرة محلية ممتازة كفنانة متكاملة لا علاقة لها بالممثلة شبه السطحية التي كانت تلمع في أفلام خفيفة ومتوسطة المستوى لم تسمح بتاتاً بالتنبؤ بموهبة دويز أو بطاقتها الفنية الحقيقية. ولكن نيس ليست العاصمة باريس، ومهما حققت الفنانة من إنجازات «ريفية»... فلم تعد باريس المتكبرة تسمع بها أو تعيرها أدنى أهمية، إلى حين قررت دويز اعتزال التمثيل واقتحام الميدان السياسي مرشحة نفسها في انتخابات البلدية على قائمة الحزب الاشتراكي، في العام 2008. ولكن الأمر لم يمنع العمدة المنتخب كريستيان استروزي، المنتمي إلى اليمين، والذي يحتل منصب وزير الصناعة في الحكومة الفرنسية الحالية من أن يعرض عليها تولي الإشراف على مشروع ضخم لا علاقة له بالسياسة بقدر ما يخص الثقافة والفنون. إذ اقترح عليها تحويل مكان مهجور في مدخل مدينة نيس، مساحته 40 ألف متر مربع كان يستعمل كمسلخ قبل سنوات طويلة، وأغلق منذ 20 سنة، إلى مركز ثقافي ضخم ينافس «مركز جورج بومبيدو» الباريسي العريق وغيره من المراكز الثقافية الأوروبية بعامة من حيث المساحة، وخصوصاً نوعية ما سيقدم فيه. وبعد فترة قصيرة جداً من التفكير لم تتجاوز العشرة أيام، أعطت الفنانة المعتزلة موافقتها النهائية على المشروع، وإن كانت لا تعلم كيف سيمكنها إنجاز مثل هذه المهمة شبه المستحيلة في إطار الظروف الاقتصادية الحالية التي تشهد فشل المركز الثقافي الباريسي الجديد المسمى 404، بعد مضي عام واحد على افتتاحه. إضافة الى الاتهامات التي صارت تواجهها من جانب الحزب الاشتراكي الذي يعتبرها خانته، بائعة نفسها إلى اليمين، ما أجبر دويز طبعاً على الانسحاب من قائمة المرشحين اليساريين التي كانت سجلت فيها. وترد دويز على من يهاجمها بأنها ليست خادمة شخصية عند العمدة، ولكن امرأة مكلفة بمهمة رسمية من جانب رجل انتخبه الشعب، إضافة إلى كون هذه المهمة تتعلق أولاً وأخيراً بالثقافة والفنون وليس بالسياسة. وتقدر كلفة المشروع الجديد بما لا يقل عن 30 مليون يورو، ويفترض أن يرى النور في العام 2013، بعد سنتين من العمل، وتستعد دويز لاختيار الأفضل ضمن مجموعة المشروعات التي ستطرح عليها وعلى العمدة بطبيعة الحال، من جانب المهندسين المعماريين المشتركين في المسابقة المفتوحة خصيصاً لهذا الغرض. ومن المفروض أن يؤوي المبنى بعد تحويله، قاعات مخصصة للمعارض الفنية وأخرى للسينما والمسرح والفنون الاستعراضية. أما دويز فتعترف بأنها تنوي خوض هذه التجربة الجريئة، مثلما خاضت الكثير من محطات حياتها حتى الآن، أي بالشجاعة والجرأة. فهي بدأت مشوارها المهني عارضة أزياء قبل أن تتحول ممثلة سينمائية خفيفة وراحت في الوقت ذاته تتعلم الآداب والفلسفة في جامعة السوربون الباريسية متخرجة منها حاملة شهادة قديرة لم تستعملها إلى الآن، ثم تاركة باريس من أجل الاستقرار في مدينة نيس حيث ولدت وكبرت، من أجل أن تتحول ممثلة مسرحية وتتولى وحدها تربية طفلتيها قبل أن تخوض تجربة السياسة التي أعادتها في شكل غير متوقع إلى الفن مرة جديدة. وبما أن عملها في إطار المشروع الثقافي الضخم لن يجلب إليها أي راتب شهري لأنه لا يدخل في إطار الوظائف الرسمية، على رغم أنه سيتطلب تفرغاً كبيراً من قبل صاحبته، لن تتوقف دويز عن المشاركة في مسرحيات متنوعة مثلما فعلت أخيراً، من أجل أن تكسب لقمتها.