أظهرت الجهود الصعبة لتشكيل اللوائح للانتخابات النيابية اللبنانية المقررة في حزيران (يونيو) المقبل، ان الانقسام الذي ساد منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في شباط (فبراير) 2005 وما تلاه من احداث قد يشهد مع المجلس النيابي المقبل تغيرا في طبيعة القوى المتواجهة وربما التحالفات ايضا، وحتى المنحى السياسي. لقد جمع مشروع سياسي القوى المنضوية تحت مجموعة 14 آذار وعمودها الفقري تيار «المستقبل»، وجمع مشروع آخر مناهض القوى المنضوية تحت مجموعة 8 آذار وعمودها الفقري «حزب الله». وتصادم المشروعان منذ نيل «14 آذار» الغالبية النيابية في الانتخابات الماضية قبل حوالي اربع سنوات. تصادما في البرلمان والحكومة والشارع، وصولا الى مشارف الحرب الاهلية. ولم يستعد لبنان بعض الاستقرار الا بعدما تكرس حق الأقلية المسيطرة في الشارع في تعطيل ما ترفضه من قرارات حكومية، باسم المشاركة. وهذا ما اكدته تجربة حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة من اتفاق الدوحة. لقد ظلت معطلة، رغم انتخاب رئيس جديد للبلاد توافق الجميع عليه. هكذا كان الوضع الذي تميز بشلل الدولة وادارة شؤون المواطن، وتراجع مشروعها الذي قالت قوى 14 آذار انها تناضل من اجله، في ظل حد مقبول من التماسك في ما بينها وتمتعها بغالبية برلمانية ودعمها المطلق لرئيس الجمهورية. وفي ظل توازن الى حد ما، سياسي على الاقل، مع المشروع الآخر. اجمعت قوى 14 آذار على مشروع قيام الدولة اللبنانية وسيادتها على قرارها واراضيها وصون الدستور واحترام القوانين واللجوء الى المؤسسات لحسم الخلافات الداخلية. واستقطب هذا البرنامج شخصيات وقوى تؤمن فعلا بهذا المشروع واخرى تضررت من فقدان التوازن الداخلي لمصلحة مشروع وضع لبنان ودولته في خدمة قضايا اقليمية. والتصدع الذي اصاب تحالف 14 آذار، في مرحلة تشكيل اللوائح الانتخابية والخلافات على التمثيل في هذه المنطقة او تلك وعلى اسماء المرشحين، سيترك بالتأكيد تأثيرات على المرحلة المقبلة من التحالف. لكن الاخطر من المنازعات على انتزاع اكبر حصة ممكنة من التمثيل المضمون هو استبعاد قوى وشخصيات أساسية مشهود لها بالصدقية في الدفاع عن مشروع الدولة وسعة الافق بما يتجاوز الانشطار الطائفي والمذهبي، بما يجعلها في صلب اي جهد جدي يبذل من اجل هذا المشروع. ولا يمكن تبرير هذا الاستبعاد الا في اطار تراجع، داخل قوى 14 آذار، عن أولوية هذا المشروع لمصلحة حسابات سياسوية محلية وضيقة، تتعلق بالنفوذ في هذه البلدة او تلك او هذه الدائرة الانتخابية او تلك. وتبخرت مع هذه الصراعات تلك الوعود التي أطلقت من اجل اعلان مشترك للوائح في كل الدوائر، ولتحل محلها مساومات قاسية، تركت اثرا سلبيا على العلاقات السياسية والشخصية، الى حد ان تسريبات كشفت استعادة خلافات عهود ماضية، وتوجهات نحو تحالفات تتجاوز برنامج 14 آذار، مع ما يمكن ان ينطوي عليه ذلك من تغير كبير في التوازن الداخلي. وفي الوقت الذي يسعى تحالف 8 آذار الى استيعاب خلافاته الداخلية المماثلة، من المستبعد ان تطرأ تغييرات كبيرة على العلاقات بين اطرافه، خصوصا بين «حزب الله» والتيار العوني الذي قد يكون من اوائل المستفيدين من خلافات الخصوم، خصوصا بين مسيحيي 14 آذار. كل هذا يدعو الى التساؤل عن امكان ان يبقى تحالف «ثورة الأرز» متماسكا بعد الانتخابات النيابية كما كان منذ اغتيال الحريري. ومع التصدع بين هذه المكونات يصح التساؤل ايضا عن مصير المشروع الذي دافع عنه هذا التحالف في السابق.